«إذا كان لديك وظيفة هذه الأيام، فحاول أن تحافظ عليها بكل الطرق لأنك لو خسرتها فقد لا تعوضها بسهولة». لست أنا قائل هذه العبارة، ولكن سمعتها من لبنى بوظة رئيس قسم الاقتصاد في قناة سكاي نيوز عربية في الثامنة والنصف من مساء يوم الجمعة الماضي خلال نقاش ممتع أدارته الإعلامية مروج إبراهيم على قناة «سكاي نيوز عربية» مع خبراء اقتصاديين بشأن تأثيرات فيروس «كورونا» على الاقتصاد العالمي وتوقعات صندوق النقد الدولي.
ما يتفق عليه معظم الخبراء في العالم، فإنه لا يوجد أي تعاف حقيقي للاقتصاد العالمي من دون نهاية فيروس «كورونا»، ولا عودة لأي نشاط فاعل وكامل للاقتصاد، قبل اكتشاف لقاح فعال للفيروس، خصوصاً مع المخاوف من وجود موجة ثانية شرسة للفيروس.
يقول الخبراء إن الاقتصاد العالمي قبل «كورونا»، كان يعاني من أمراض خطيرة أهمها أن الديون العالمية صارت أعلى بثلاث مرات ونصف من الناتج المحلي الإجمالي للعالم، وجاء «كورونا» ليرفع التوقعات بزيادة الديون العالمية عموماً، وسيكون نصيب العرب منها 15 % ارتفاعاً طبقاً لتوقعات صندوق النقد الدولي.
العبارة التي قالتها لبنى بوظة، وبدأت بها هذا المقال سمعتها أكثر من مرة خلال الأيام الماضية، خصوصاً من أصحاب الأعمال.
صحيح أن بعض رجال الأعمال وكبار المستثمرين في المنطقة العربية أعلنوا في الأسابيع الأخيرة أنهم لن يستغنوا عن أي عامل، لكن هناك آخرين بدأوا في الاستغناء فعلاً عن بعض العاملين والموظفين لديهم، ومن لم يفعل، فقد بدأ باتخاذ إجراءات تقشفية تتضمن أساساً تخفيض رواتب وحوافز ومكافآت العمالة كمرحلة أولى. قد تتبعها مراحل أخرى أكثر صعوبة.
في الفترة الأخيرة صارت عمليات استغناء الشركات والمصانع والهيئات عن عمالها وموظفيها هي الأخبار الأكثر تداولاً في العديد من بلدان العالم.
قبل أيام قليلة قرأت أن شركة أمازون استغنت عن بعض موظفيها، وأن شركات طيران دولية كبرى قد استغنت عن كل موظفيها، بل وأعلن بعضها إفلاسه التام، كما فعلت شركة فيرجن الأسترالية في حين أن شركة طيران كبرى مثل لوفتهانزا، تتفاوض مع الحكومة الألمانية على حزمة إنقاذ مالي بقيمة عشرة مليارات يورو، ودولة مثل البرازيل أعلن وزير اقتصادها باولو جويديرس أن اقتصاد بلاده على وشك الانهيار، داعياً شركات القطاع العام إلى التخلي عن المطالبة بزيادة الأجور لمدة عامين، في حين أن الضربة الكبرى كانت من نصيب شركات السياحة التي قال تقرير دولي يوم الجمعة الماضي إنها انخفضت بنسبة 80٪، ويوم السبت الماضي عرفنا أن نسبة البطالة في الولايات المتحدة قد ارتفعت إلى 14.7 % وهو أعلى معدل منذ الكساد الكبير عام 1929. كل هذه الأخبار يمكن ترجمتها بأن العمالة في هذه الشركات المختلفة خسرت وظائفها أو انخفضت رواتبها أو في طريقها إلى ذلك.
الحكومات في كل العالم، تناشد القطاع الخاص ألا يتخلى عن العمالة، وبعضها قدم حزم تمويل تحفيزية لهذا القطاع حتى يحافظ على العمالة أو العدد الأكبر منها، لكن هذا التعهد يبدو أنه سيكون صعب التنفيذ، إذا استمر انتشار الفيروس بهذه الوتيرة، ولم يتم التوصل إلى لقاح فعال، وإذا لم يتم استئناف الأنشطة الاقتصادية بالوتيرة العادية، بل وبوتيرة إنتاج أسرع وأقوى لتعويض فترة التوقف الماضية.
ما هو المطلوب للمرور من هذه الأزمة غير المسبوقة؟!
أولاً: أن تبذل الحكومات الجهد الأكبر لاستئناف النشاط الاقتصادي مع اتباع أعلى درجات الإجراءات الاحترازية لمنع انتشار الفيروس، وأن تقدم أكبر قدر من المساعدة للمنتجين، حتى يمكنهم الحفاظ على أكبر عدد من العمالة، والأخيرة مطلوب منها أن تحافظ على عملها بزيادة الإنتاج لأقصى قدر ممكن، وعلى الجميع أن يتقشف حتى تمر الأزمة بأقل الأضرار.
الجميع سيدفع ثمناً خلال هذه الأزمة، الأغنياء والفقراء والكبار والصغار، الدول الكبرى والنامية، الحكومات والشعوب، القطاعان العام والخاص والمشترك والأفراد. العالم يدخل إلى مرحلة غير مسبوقة لم يمر بها من قبل، وبالتالي فنحن في حاجة إلى حلول خلاقة تجعلنا نمر بسرعة من الأزمة.
لا نحتاج إلى صراخ أو عبارات إنشائية بل إلى حلول عملية.
* رئيس تحرير صحيفة الشروق المصرية