مبادرة طيّبة من قائد نبيل يفيض بالخير

ت + ت - الحجم الطبيعي

في مبادرةٍ غير مستغربة من صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبيّ، رعاه الله، نشر سموّه تغريدة جليلة المغزى ولا سيّما في هذه الظروف التي تعصِف بالإنسانية جمعاء قال فيها:

«إطعامُ الطعام، وخاصة ونحنُ على أبواب هذا الشهر الفضيل، هو أولوية إنسانية ومُجتمعية، تفرضها ظروف أكبر أزمةٍ يمرُّ بها العالَم من حولنا، أزمة أظهرتْ معدنَ دولتنا الأصيل، وروح الخير المتجذّرة في المجتمع، لن يمرضَ أحدٌ، ولن يحتاج أحد، ولن يجوعَ أحدٌ على أرض الإمارات من دون أن يهتمّ به الجميع»، ليحدّد بعد ذلك الجهة التي ستتشرف بحمل أعباء هذه الأمانة، حيث قال سموّه استكمالاً للحديث السابق: «وجّهنا اليومَ بإطلاق حملة توفير 10 ملايين وجبة أو ما يُعادلها من طرود غذائية خلال هذا الشهر الفضيل للأفراد والأُسَر المتعفّفة..

الحملةُ ستكون بإشراف الشيخة هند بنت مكتوم حفظها الله، وهي أقربُ وأنبلُ مَنْ وجدتُ لرعاية هذه الحملة الإنسانية في هذه الأوقات الاستثنائية».بهذه اللغة المُستلهَمة من الكتاب والسّنة، يفتتح صاحب السموّ هذه التغريدة الجليلة النبيلة، التي تعكس حرص سموّه على تمثّل القِيَم العالية الرفيعة في أوقات الشدائد، حيث تبرز المعادن الأصيلة، وتظهر حقائق الرجال، ويكون قلب القائد مسكوناً بهموم شعبه ومجتمعه وحاجاتهم حين تشتدّ الخطوب وتُحدق الأزمات.

إنّ إطعامَ الطعام في الظروف العصيبة، وتفقّد أهل العِفة والحياء والضعفاء ممّن لا يسألون الناس إلحافاً، هو واحدٌ من أعظم الأخلاق الإنسانية التي حثّ عليها ديننا العظيم، وجعل الجزاء على ذلك ثواباً عظيماً لا يعرف قدره إلا الخلاق العليم، ومن أروع الآيات الدالة على فضيلة هذا الخُلق الزكيّ، قوله تعالى في الحث على اجتياز عقبات يوم القيامة وما فيه من الشدائد والأهوال: {فلا اقتحم العقبة * وما أدراك ما العقبة * فكّ رقبة * أو إطعامٌ في يومٍ ذي مسغبة * يتيماً ذا مقربة * أو مسكيناً ذا متربة} (البلد: 11- 16) ففي هذه الآيات بيان ما بعده بيانٌ لعظمة هذا الصنيع في ميزان المولى سبحانه

وتعالى، لا بل إن الإسلام يحثّ على إطعام الأسير الذي كان مُحارباً في صفوف العدوّ قبل وقوعه في الأسر، فأثنى الله تعالى على أصحاب هذه النفوس الكبيرة العالية فقال: {ويُطعمون الطعام على حُبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً} (الإنسان: 8) إلى غير ذلك من الآيات الدالة على القيمة الدينية والأخلاقية لهذا العمل الطيب المبارك.وبموازاة هذه النصوص القرآنية المباركة، جاءت نصوص السنّة الشريفة في الحثّ على فعل الخيرات، وإطعام الأكباد الجائعة، وصيانة الوجوه العفيفة عن ذُلّ السؤال، فقد روى الإمام الترمذي بإسنادٍ حسنٍ صحيح من حديث عبدالله بن سَلام رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلّوا بالليل والناسُ نيام، تدخلوا الجنة بسلام».استلهاماً لهذه النصوص الشريفة من الكتاب والسنة، جاءت مبادرة صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد في إحياء سُنة (إطعام الطعام) التي كانت وما زالت من مفاخر العرب، وبها كانت تتمايز أقدار الرجال، فهي أرقى أنواع الفروسية الأخلاقية، ثم جاء الإسلام العظيم، فرفع من شأن هذا الخلق، وحثّ عليه باعتباره واحداً من مكارم الأخلاق التي قال فيها حبيبنا المصطفى صلواتُ ربي وسلامه عليه:

«إنما بُعثتُ لأتمّمَ مكارم الأخلاق»، فكانت مكرمة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، تعبيراً صادقاً عن أخلاق الفرسان التي يتميز بها فرسان هذا الوطن وقادته الكبار، وهي الأخلاق التي بذرها وسقاها ورعاها بانيا الوطن وحكيما الجزيرة:

المغفور لهما بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيّان، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيّب الله ثراهما، فقد كانا بحراً في الخير والعطاء، وتفقّد المحتاج وإغاثة الملهوف، وها هو سيدي صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد يستلهم تلك الأخلاق العالية التي تلقّاها في مدرسة هذين الشيخين الجليلين اللذين وضعا الوطن أمانة بين يدي وارثيهم الكبار.

إنّ لغةَ الإنسان هي مِرآةُ فكره، وإن التأمل في لغة هذه التغريدة الجليلة يكشف عن الرقة الإنسانية التي تعمر قلب صاحب السموّ، فهو يتكلم بإحساس أبوي تجاه أبناء وطنه الذين ظهر معدنهم الأصيل في هذه الأزمة التي لا عهدَ للإنسانية بها، وهو يلفت الأنظار إلى أنّ حماية الوطن وتجميل وجهه هي المهمة التي يجب ألّا يتخلف عنها أحدٌ ممّن يسري حب الوطن في عروقهم، وأن الروح الإماراتية الكريمة المِعطاءة هي موطن فخر صاحب السموّ.

ففي الإمارات وبهذه اللغة الجازمة (لن يمرض أحد، ولن يحتاج أحد، ولن يجوع أحد على أرض الإمارات قبل أن يهتمّ به الجميع) وفي كلمة (الجميع) تلخيص شامل للرسالة التي يريد صاحب السموّ إرسالها، فالوطن هو أثمن أمانة يتسابق الناس، جميعُ الناس، إلى صيانتها، والحفاظ عليها.

إنّ من معالم التوفيق في هذه الكلمة المباركة، أنها جاءت استقبالاً لشهر الخير والرحمة، هذا الشهر الفضيل الذي تنشرح فيه الصدور لفعل الخيرات في الظروف العادية، فكيف لا تزداد انشراحاً ونشاطاً في ظلّ هذه الظروف العصيبة التي تحتاج إلى استخراج أنبل ما في الروح الإنسانية من شهامة وحبٍّ للخير.

وإنّ صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد الذي يسهر الليل والنهار على مصالح الوطن وأبناء الوطن جميع ساكنيه، لَواثقٌ كل الثقة بالاستجابة النبيلة لتنفيذ هذه المكرمة، وحين يعهد سموه بحمل هذه الأمانة إلى سموّ الشيخة هند بنت مكتوم، حفظها الله، يكون قد وضع الأمانة في اليد الأمينة التي سترعى حقوق الضعفاء والمساكين من المحتاجين الذين يتعففون عن السؤال ولا يفطن لهم أحد، فيبيتون على الطوى والجوع، فكيف إذا كانوا يُعيلون أطفالاً صغاراً لا يصبرون على نداء المعدة وخواء الأمعاء.

سيدي صاحب السموّ: الطيبُ ليس مستغرباً من أهله، وأنت يا وريث البيض الميامين من آل مكتوم، أبقاك الله سنداً لكل محتاج وملهوف، وأطال عمرك في طاعته وفعل الخيرات، وما زال خيرك عميم على هذا الوطن الذي أحببته فأحبك، وغنّيتَ له فتجاوبت أصداء الصوت في قلوب أحبابك والسائرين معك على دروب الخير والعطاء.

 

Email