الأقليات الأمريكية وفيروس «كورونا»

ت + ت - الحجم الطبيعي

نشر أغلب الصحف العربية والأجنبية أخبار موافقة الكونجرس الأمريكي على أكبر مشروع لإنعاش الاقتصاد في تاريخ الولايات المتحدة، بلغت تكلفته نحو تريليونيْ دولار. لكن المسألة العرقية ليست غائبة لا عن الجدل بشأن المشروع، ولا عن أوضاع الأقليات مع تفشي فيروس كورونا المستجد.

فرغم أن العزل الاجتماعي طال أول ما طال المدارس والجامعات الأمريكية كلها، إلا أن «الجامعات والكليات السوداء» ستكون الأكثر تضرراً.

و«الجامعات والكليات السوداء» هو مصطلح، ليس من عند كاتبة السطور، وإنما تعبير استخدم منذ زمن العبودية للإشارة لتلك الجامعات والكليات والمعاهد التي نشأت تاريخياً لتعليم السود تحديداً، وظلت مقتصرة عليهم لقرون، حين كان العبيد محرومين أصلاً من الحصول على التعليم. وبمجرد انتهاء الحرب الأهلية وتحرير العبيد، بدأ العقد الذي صار يعرف بعقد «إعادة البناء».

ففيه كان حجم التفاؤل كبيراً، ونشأت جامعات ومعاهد، بدعم حكومي أحياناً وبدعم خاص كثيراً، حتى يلحق السود المحررون بالبيض تعليمياً. لكن سرعان ما تفننت الولايات في اختراع قوانين تهدف للتراجع عن مكتسبات ذلك العقد، فبدأ الفصل العنصري الذي دام لأكثر من قرن، إلى أن اندلعت حركة الحقوق المدنية في ستينات القرن العشرين.

وقد وصل اليوم عدد تلك المؤسسات التعليمية لحوالي المائة، تظل الأغلبية من طواقمها وطلابها من السود وإن لم تعد مقتصرة عليهم، بل وصار بعضها مثل جامعة هاوارد من أفضل الجامعات الأمريكية عموماً.

لكن الكثير من تلك المؤسسات، خصوصاً الصغيرة منها، تظل فقيرة من حيث الموارد. فأغلبها يعتمد على المصروفات التي يدفعها الطلبة وما ينفقونه داخلها على مختلف الخدمات مثل المطاعم والكافتيريات ومكتبات بيع الكتب داخل الجامعة، فضلاً عن مصروفات المدن الجامعية.

فصناديق الوقف الخاصة بتلك الجامعات تظل صغيرة للغاية مقارنة بغيرها من الجامعات الأمريكية. ومن هنا، فإن إغلاق الجامعات يعني خسارة الموارد المالية المحدودة، مما قد يؤدي لإفلاس تلك المؤسسات، ومن ثم إنهاء فرصها في اجتذاب طلبة جدد. فالإفلاس معناه فقدان اعتماد شهاداتها، الذي يظل من أهم معاييره الموارد المالية للجامعة ومدى استقرارها.

وفي ظروف العزل الاجتماعي، لجأت الجامعات عموماً للتعليم عن بعد. لكن مؤسسات السود التعليمية هي الأكثر تضرراً. فالكثير من طلابها الفقراء ليس لديهم أصلاً خدمة الانترنت بالمنازل. فحوالي 75% من طلابها يحصلون على المنح التعليمية من الحكومة وهي منح تقدم لدفع مصروفات التعليم الجامعي.

والكثير من هؤلاء الطلاب الفقراء لا يملكون حتى أجهزة كمبيوتر شخصية للتواصل خلال التعليم عن بعد، الأمر الذي دفع بعض تلك الجامعات لتوفير تلك الأجهزة لأولئك الطلبة للعام الدراسي الحالي. غير أن الأهم من هذا وذاك، أن الموارد المحدودة تجعل التعليم عن بعد تحدياً هائلاً لتلك المؤسسات التعليمية. فبعضها لا يملك أصلاً الإمكانات التقنية لإدارة عملية التعليم عن بعد.

وكل ذلك يجعل تلك الجامعات في حاجة لدعم مالي من الحكومة الفيدرالية اليوم أكثر من أي وقت مضى. لكن تقديم مثل ذلك الدعم ليس بعيداً عن السياسة ولا المسألة العرقية. فعضو مجلس النواب الجمهوري، مات جيتز، اعترض على مشروع قانون الإنعاش الاقتصادي لأنه تضمن 13 مليون دولار لجامعة هاوارد، كبرى جامعات السود، محتجاً بأن دعم هاوارد «لا علاقة له بفيروس كورونا».

وقد أدى موقف جيتز لجدل صاخب انخرط فيه عدد من أعضاء الكونجرس السود بالمجلسين، كانت أبرزهم السناتور كامالا هاريس، مرشحة الرئاسة السابقة وخريجة هاوارد، التي ذكرّت الجميع بأن المشروع «تضمن 30 ملياراً أصلاً لدعم المدارس والجامعات، الأمر الذي يجعل الدعم المخصص لهاوارد لا يزيد عن 0.04% من دعم التعليم».

وقد أضاف آخرون أن هاوارد «لها علاقة مباشرة بفيروس كورونا»، لأنها تملك واحدة من المستشفيات الموجودة على قائمة المستشفيات الجامعية التي حددتها الحكومة الفيدرالية لعلاج المصابين بالفيروس.

وإذا كان ذلك الجدل يخص كبرى الجامعات السوداء وأفضلها، أي هاوارد، فما بالك بالجامعات والمعاهد الأصغر التي هي في أمس الحاجة للدعم الحكومي أصلاً؟

 

 

Email