دبي جاهزة.. المصلحة تقتضي

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما تصدت دبي لتنظيم معرض «إكسبو 2020» كانت تعلم أن تنظيم معرض دولي بهذا الحجم يتطلب جاهزية غير عادية، كما يتطلب جهداً كبيراً للظهور بشكل مشرّف يتناسب مع اسم دبي وسمعتها كمركز دولي لتنظيم الفعاليات والمعارض، أثبت على مدى السنوات الماضية تميزاً غير مسبوق بين الدول.

وإذا كانت المعارض والفعاليات التي نظمتها دبي خلال السنوات الماضية قد أثبتت أن دبي تتحدى نفسها من معرض إلى معرض، فإن معرض «إكسبو 2020» سيكون واسطة العقد ليس في المعارض التي نظمتها دبي حتى الآن، وإنما في معارض إكسبو على مدى تاريخ تنظيم هذا الحدث الدولي المهم، الذي يجسّد الغرض الذي تأسس من أجله، والمتمثل في أن يكون محفلاً دولياً شاملاً لمعالجة التحديات المشتركة، والسعي إلى إيجاد حلول لتلك التحديات بروح التعاون الدولي والتضامن.

ومع حلول عام 2020 موعد تنظيم الحدث، وبدء العد التنازلي لافتتاح هذا المعرض الدولي الذي يمثل تحدياً جديداً لقدرة دبي على تنظيم دورة متميزة وفريدة، بكل ما لهذه الكلمات من معانٍ يعرفها القائمون على تنظيم هذا المعرض، مع حلول هذا العام كان العالم على موعد مع وباء لم يكن أكبر المتشائمين يظنون أنه سيتحول إلى جائحة بهذا الحجم، تتوقف معها دورة التنمية والاقتصاد، بل ودورة الحياة كلها، كي يتفرغ العالم أجمع لمكافحة هذه الجائحة، بعد أن أصبح عدد ضحاياها يتضاعف بشكل غير مسبوق في تاريخ الأمراض والأوبئة، وغدا عدد المصابين بهذا المرض يقترب من المليون الأول، وعدد الوفيات يخطو نحو الخمسين ألفاً الأولى بشكل متسارع.

في ظل هذه التطورات اجتمعت لجنة تسيير إكسبو 2020 دبي اجتماعاً «عن بعد» مع ممثلي الدول المشاركة في الحدث الدولي، في إطار المشاورات الجارية بشأن أثر «كوفيد - 19» على استعدادات العالم لإكسبو 2020 دبي، وراجعت لجنة التسيير باهتمام بالغ أثر انتشار المرض على الصحة العامة والمجتمع والاقتصاد في العالم، وجدد الأعضاء التأكيد على تضامنهم مع المجتمع الدولي، في الوقت الذي تبحث فيه اللجنة التداعيات الناتجة عن هذه الأزمة العالمية غير المسبوقة، واتفقت اللجنة على الطلب من المكتب الدولي للمعارض، وهو المنظمة الحكومية الدولية المسؤولة عن إكسبو الدولي، دراسة مسألة تأجيل افتتاح إكسبو 2020 ضمن الإطار القانوني المعمول به.

هذا الاتفاق، ودعم دولة الإمارات لطلب الدول للتأجيل، رغم جاهزية دبي تماماً لتنظيم هذا الحدث الدولي الكبير، إنما يدل على أن دولة الإمارات العربية المتحدة تنتصر دائماً لإنسانيتها وحرصها على حياة البشر، وسعيها إلى تغليب مصلحة البشرية التي تواجه واحداً من التحديات الكبرى التي لم تواجه مثلها في عصرها الحديث، رغم التقدم التكنولوجي والعلمي الكبيرين اللذين لم تحقق مثلهما على مدى تاريخها.

وانسجاماً مع هذه الروح كانت استجابة دبي بدعمها لطلب التأجيل، ليس لعدم جاهزيتها لتنظيم المعرض، وإنما انطلاقاً من نهجها الإنساني الأصيل، والتزامها بالمحافظة على سلامة البشر وأمنهم، بل حياتهم التي أصبحت مهددة في ظل انتشار هذا الوباء الذي أصبحت الوسيلة الأولى لمكافحته والحد من انتشاره هي التباعد الاجتماعي والفصل بين البشر، خاصة وأنه من المتوقع أن يستقطب معرض «إكسبو 2020» أكثر من 25 مليون زائر من كافة أنحاء العالم. وهو عدد هائل لا يخدم اختلاط أفراده الجهود الدولية التي يبذلها العالم أجمع لمكافحة هذا الوباء والحد من انتشاره.

ومثلما دفع «تواصل العقول وصنع المستقبل» الذي جعلته دبي شعاراً لتنظيم معرض «إكسبو 2020» إلى بذل أقصى الجهود لجعل هذا المعرض فريداً ومتميزاً، كان هذا الشعار أيضاً دافعاً إلى دعم الدولة لطلب الدول المشاركة من المكتب الدولي للمعارض، وهو المنظمة الحكومية الدولية المسؤولة عن إكسبو الدولي، دراسة مسألة تأجيل افتتاح إكسبو 2020 ضمن الإطار القانوني المعمول به.

حيث سيعمل المكتب الدولي للمعارض من الآن مع الدول الأعضاء ومنظمي إكسبو 2020 دبي للنظر في تغيير المواعيد، وللجمعية العامة للمكتب الدولي للمعارض وحدها، كما هو معروف، حق اتخاذ القرار النهائي بشأن التأجيل، تنفيذاً لنص المادة 28 من اتفاقية المكتب الدولي للمعارض، على أن أي تعديل في المواعيد يستلزم تصويت الدول الأعضاء بأغلبية الثلثين.

دبي جاهزة لتنظيم معرض «إكسبو 2020».. ولكن حين تقتضي مصلحة البشرية والدول المشاركة تأجيل المعرض، تدعم الإمارات ودبي هذا الطلب وتنحاز لإنسانيتها ومصلحة البشرية.

هذا هو قمة الرقي الذي تتعامل به دبي مع كل القضايا، وفي كل المواقف، لأن «تواصل العقول وصنع المستقبل» يقتضان ذلك، وسنعود للاحتفال بافتتاح المعرض الذي سوف يبهر العالم، بعد القضاء على جائحة «كوفيد 19» التي أوقفت مسيرة البشرية مؤقتاً، لكنها لم توقف الحياة التي ستستمر بإذن الله تعالى.

* كاتب وإعلامي إماراتي

Email