التكنولوجيا «كوفيد- 19»

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا شيء يلخص علاقة التكنولوجيا المعاصرة – الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، تكنولوجيا G5 وتطبيقاتها – قدر مقال لـ«كيرت كامبل» و«رش دوش» منشور في دورية «الشؤون الخارجية» قبل أسبوع في 18 مارس 2020 بعنوان «فيروس الكورونا يشكل النظام العالمي: الصين تناور من أجل القيادة الدولية بينما الولايات المتحدة تتراجع».

لم يعد فيروس كورونا أو ما ذاع تحت اسم «كوفيد- 19» مجرد فيروس يعبر عن مرض بعينه قابل للانتشار عبر قارات العالم وما بينها من بحار ومحيطات تجري فيها سفن تحمل ركاباً من شعوب الأرض.

أصبح الفيروس في المعادلة الموجودة في العنوان متغيراً مستقلاً بحجم تهديده لسكان الأرض، خاصة كبار السن فيه، بمرض مميت؛ وأكثر من ذلك تهديداً اقتصادياً تابعاً تتراجع فيه البورصات الدولية إلى الحضيض، وفي الدول البازغة يكون التراجع ماساً بأعصاب البلاد، ومع هذا وذاك تنقص صناعات وخدمات، وتتحول مدن العالم إلى أشباح.

هو في كل الأحوال واحد من لحظات التحول التي عندها يتوقف النظام العالمي ليرى من سوف تكون الأزمة بالنسبة له كارثة، ومن الذي سوف تكون له فرصة. ولما كانت الأزمة الصحية قد جاءت في وقت تنسحب فيها الولايات المتحدة إلى داخل وجودها بين المحيطين الأطلنطي والباسفيكي سواء بالاختيار الفكري لإدارة الرئيس دونالد ترامب؛ أو أنه قد بات من طبيعة الأشياء بعد الصعود النسبي للصين واحتلالها للمكانة الثانية في الاقتصاد الدولي اسمياً، ومتقدمة على الولايات المتحدة إذا ما كان حساب الناتج المحلي الإجمالي بالقوة الشرائية للدولار.

جاء «كوفيد- 19» في لحظة فارقة لكي يقرر من الذي سوف ينقذ الكرة الأرضية وسكانها وحضارتها من الغزوة الغادرة؟

للوهلة الأولى بدا أن الفيروس قد أخذ الصين ومكانتها الدولية الصاعدة، إلى الوراء فمنبت المرض الأول كان في إقليم يوهان الصناعي الذي فيه الكثير من مصادر الصناعة العالمية؛ وعلى مدى الأسابيع والشهور منذ الاكتشاف الأول لأول حالة مرضية في 12 يناير الماضي كانت الصين في المقدمة بين دول العالم من حيث عدد المصابين بالفيروس.

وعدد المتوفين منه، ورقعة الانتشار الواسعة. كان كل ذلك سبباً في أن يصف رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب «كوفيد- 19» بأنه الفيروس «الصيني». كان الوصف مقصوداً للتقليل من شأن الصين ونظامها الصحي وقدرتها التكنولوجية على التعامل مع أزمة معقدة.

ولكن ما حدث فعلاً كان عكس ذلك تماماً، فلم تمضِ أسابيع من فبراير ومطلع مارس حتى أخذ المرض في التراجع داخل الصين، بينما أخذ في الانتشار في الدول الأوروبية كلها تقريباً وخاصة إيطاليا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا ودول في الشرق الأوسط كان أبرزها إيران.

الولايات المتحدة على الجانب الآخر دخلت في دور «الإنكار» واعتبر الرئيس ترامب الموضوع كله نوعاً من الأكاذيب الإعلامية، وكان قبل ذلك قد قام بإزالة وحدة الأمراض المعدية في مجلس الأمن القومي الأمريكي، وأصبحت الولايات المتحدة شبه عارية في مواجهة عدوى سريعة الانتشار ومرض بالغ الخطر.

خلال أسابيع قليلة أثبتت الصين أنها أولاً قادرة على اتخاذ قرارات صعبة بالعزل في مستشفيات كبيرة أقامتها لهذا الغرض حلال فترة قصيرة للغاية، ووقف التواصل الاجتماعي والحجر على من أصابهم المرض.

وثانياً فإنها وضعت نظاماً صارماً لاكتشاف المرض من خلال استغلال الذكاء الاصطناعي الذي بات قادراً من خلال مداخل المدن والأحياء والطائرات المسيرة أن يصل إلى المرضى في سرعة قياسية.

وثالثاً فصلت الصين بين مستقبلي المرض القائمين بمعالجته من خلال نقل الأطباء بسيارات دون سائق، أو استخدام هذه السيارات الأخيرة من أجل نقل الغذاء والدواء لمن هم في حالة عزلة. ورابعاً اندفعت المؤسسة الصحية الصينية إلى البحث عن لقاح يقي من المرض وعلاج يؤدي إلى الشفاء منه.

وكان ذلك هو ما جرى خلال فترة قصيرة تم بعدها الإعلان عمن شفي، ومن لا يزال حاملاً للمرض؛ وباتت الصين قائدة لعملية إنقاذ العالم من المرض الذي نبت فيها ولكنها تجاوزته، وباتت قادرة على تقديم العون والخبرة لعدد كبير من الدول الأوروبية والعالم، وكان مشهد طائرة الإنقاذ الصينية في إيطاليا فيها الكثير من الدلالات، فلم تكن الطائرة قادمة من واشنطن وإنما جاءت من بكين!.

* كاتب صحفي

 

Email