ألقت أزمة انتشار وباء كورونا المستجد (كوفيد - 19) بتداعياتها الوخيمة على الاقتصاد العالمي، الذي دخل في أزمة شبهها كثير من الخبراء الاقتصاديين عبر العالم بأزمة الكساد العظيم التي شلت الاقتصاد العالمي في أواخر عشرينيات القرن الماضي، فمع إغلاق معظم دول العالم لحدودها، وتوقف حركة السياحة والسفر بصورة شبه كلية، وإغلاق كثير من المصانع والمشروعات التجارية والقطاعات الخدمية، وتقييد حركة المواطنين وفرض نوع من العزلة والحجر الصحي عليهم في كثير من الدول، وتراجع أسعار النفط، وتعرض أسواق المال العالمية الكبرى لصدمات قوية سببت لها خسائر بمئات مليارات الدولارات مع كل ذلك وغيره من مؤشرات، دخل الاقتصاد العالمي في مرحلة غير مسبوقة من الركود، دفعت كثيراً من دول العالم إلى تخصيص مئات مليارات الدولارات لتنشيط اقتصاداتها وتعزيز قدرتها على مواجهة التداعيات الاقتصادية الضخمة التي أفرزها وباء كورونا، فيما توقعت تقارير عدة لمؤسسات دولية وخبراء اقتصاديين أن يمتد التأثير السلبي لهذه الأزمة على الاقتصاد العالمي لعقود قادمة.
الإمارات بحكم انفتاحها على الاقتصاد العالمي، وعلاقاتها الاقتصادية الدولية المتشعبة ستتأثر بلا شك بهذه التداعيات الاقتصادية السلبية لانتشار فيروس كورونا المستجد، ولا سيما إذا استمر الوباء والمخاوف من انتشاره لفترة طويلة، ولكن المؤكد أن تأثرها بهذه الأزمة سيكون الأقل مقارنة بالاقتصاديات الإقليمية والعالمية الأخرى، وذلك بفضل ما يتمتع به الاقتصاد الإماراتي من قوة وتنوع وما يتميز به من مرونة عالية بفضل السياسات التنموية والاقتصادية التي انتهجتها الدولة خلال العقود الماضية، ما يجعلها محصنة بصورة كبيرة في مواجهة هذه الأزمة الاقتصادية العالمية، ويضعها على رأس قائمة الدول الأكثر استعداداً للتكيف مع متطلبات التعامل الحكيم معها.
لقد أظهرت دولة الإمارات، وقيادتها الحكيمة، منذ بداية الأزمة، درجة عالية من المرونة والتعاطي الرشيد معها، حيث سارعت الدولة إلى اتخاذ سلسلة من الإجراءات والمبادرات الفاعلة لدعم الاقتصاد الوطني في مواجهة تداعيات هذه الأزمة، ومن ذلك على سبيل المثال إطلاق مصرف الإمارات المركزي خطة دعم اقتصادي شاملة بتكلفة 100 مليار درهم (نحو 27 مليار دولار) موجّهة للعملاء الأفراد والشركات المتأثرين بالوباء بشكل فوري، وإطلاق المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي حزمة حوافز اقتصادية وخطط لتسريع وتيرة إنجاز وتنفيذ العديد من المشروعات والمبادرات الاقتصادية المهمة ضمن برنامج (غداً 21) وذلك بهدف دعم الأنشطة الاقتصادية وخفض تكاليف المعيشة وتسهيل ممارسة الأعمال في الإمارة.
كما أعلنت دبي عن حزمة حوافز اقتصادية بقيمة 1.5 مليار درهم للأشهر الثلاثة القادمة بهدف دعم الشركات وقطاع الأعمال في دبي وتعزيز السيولة المالية والتخفيف من حدة تأثيرات الوضع الاقتصادي الاستثنائي الذي يشهده العالم اليوم.
من ناحية أخرى، أظهرت الحكومة بمؤسساتها وهيئاتها المختلفة، وكذلك مؤسسات قطاع الأعمال والقطاع الخاص في الدولة، درجة عالية من المرونة في إتمام ممارسة الأعمال مع الالتزام بالتعليمات الصحية الصادرة من الجهات المختصة لمكافحة وباء كورونا، من خلال مبادرات العمل عن بعد، بأساليب وطرق مختلفة ومبتكرة، لم تؤثر على سير العمل وانتظامه ولا سيما في القطاعات الحيوية، وهذه المرونة في تنفيذ برامج وخطط العمل عن بعد، تعود بالأساس إلى الخطط والمبادرات التي أقرتها الإمارات واعتمدتها في السنوات الماضية في مجال الحكومة الإلكترونية والحكومة الذكية والتي جعلت كل مؤسسات الدولة مؤهلة لتوظيف التكنولوجيا الرقمية في إنجاز أعمالها بسلاسة وكفاءة عالية.
وبالمنطق نفسه، ورغم التداعيات السلبية التي يمكن أن تترتب على تراجع أسعار النفط على الاقتصادات الخليجية بشكل عام، ومنها الإمارات، فإن الخطط الطموحة التي وضعتها الدولة من سنوات طويلة لتقليل الاعتماد على النفط، والتي دفعت مساهمته في الناتج المحلي إلى أقل من 20%، وخططها المستقبلية لعصر ما بعد النفط، كل ذلك يقلل من تأثرها بتقلبات أسعار النفط الخام.
امتلاك دولة الإمارات لاقتصاد مرن ومتنوع وقوي، ووجود قيادة سياسية رشيدة تدير دفة الأمور بحكمة وعقلانية، أمران كفيلان بمساعدة الإمارات على تجاوز الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة التي سببها وباء كورونا، مثلما تجاوزت بقوة وكفاءة الأزمات الاقتصادية السابقة، والمضي قدماً في خططها التنموية الطموحة لتصدر العالم في كل المؤشرات التنموية.