«نستحلفكم بالله ابقوا في منازلكم».
بهذه العبارة ناشد العديد من الوزراء وكبار المسؤولين الكويتيين شعبهم، لكي يحضوهم على تجنب التجمعات في الشوارع والميادين والأماكن العامة خوفاً من انتشار فيروس كورونا أو «كوفيد 19».
هذه العبارة تكررت على «تويتر» ليلة الجمعة الماضية خصوصاً من وزير الإعلام ووزير الدولة لشؤون الشباب محمد ناصر الجبري ووزيرة الدولة لشؤون الإسكان رنا عبد الله الفارس.
ما فعله المسؤولون الكويتيون تكرر بطرق وعبارات مختلفة من قبل كبار المسؤولين في العالم أجمع، خصوصاً الدول التي اتخذت قرارات بحظر التجول الكامل أو الجزئي أو تعطيل المدارس والجامعات أو التقليل من الاختلاط.
في مصر مثلاً ناشد العديد من المسؤولين الشعب المصري التقليل من التواجد في الشارع، خصوصاً بعد قرار إغلاق المحلات والمولات والمقاهي والمطاعم والمسارح ودور السينما، من السابعة مساء حتى السادسة صباحاً. في بداية التطبيق لم يلتزم البعض بالقرار، وسمعنا وزير الدولة للإعلام أسامة هيكل يناشد المواطنين قائلاً: «أرجوكم لا تضطرونا إلى السيناريو الثالث»، قاصداً فرض حظر التجول الكامل بعد أن قررت الدولة تعطيل الدراسة بالمدارس والجامعات لمدة أسبوعين، إضافة إلى تقليل قوة العمل إلى أدنى درجة ممكنة لمنع تزايد الإصابات.
الأمر لم يكن قاصراً على مصر والكويت والمنطقة العربية، لكنه تكرر في أوروبا أيضاً، خصوصاً في إيطاليا، التي صارت البؤرة الرئيسية للفيروس في العالم.
وهناك تفسير يقول، إن أحد أسباب الانتشار الواسع للفيروس في إيطاليا، هو عدم قدرتها على إلزام المواطنين بالبقاء في المنازل في الفترة الأولى من انتشاره.
وشاهدنا فيديوهات لبعض المقاهي في القاهرة مغلقة من الخارج، لكنها مفتوحة من الداخل، وكأن شيئاً لم يكن، الأمر الذي اضطر الأجهزة المختصة لشن حملات موسعة لتطبيق القرار.
السؤال الذي يتكرر كثيراً بلا إجابة حاسمة، هو لماذا لا يبقى الناس في بيوتهم حتى يختفي الفيروس أو يتراجع؟!.
الإجابة الصحيحة تحتاج إلى جيوش من أساتذة وخبراء الاجتماع وعلم النفس والتربية والإعلام والقيم، حتى يشرحوا لنا السر الذي يجعل بعض الناس في العالم أجمع يخاطرون بحياتهم وحياة أقاربهم، وينزلون إلى الشوارع والتجمعات وكأنهم في نزهة خلوية!!.
التفسير الأول: إن بعض من يصرون على النزول للشارع يعرفون خطورة الفيروس، لكن ظروفهم الاقتصادية غاية في الصعوبة، ولو ظلوا في بيوتهم لفقدوا فرصة الحصول على رزقهم، وهذا الأمر ينطبق على شريحة العمالة التي تعمل بصورة غير منتظمة مثل الباعة الجائلين أو العاملين في المولات والمسارح ودور السينما والمتاجر الصغيرة، ودور الحكومات هو السعي لتأمين مصادر رزق لهذه الفئات.
التفسير الثاني: إن هناك فريقاً ينزل إلى الشارع، لكن لا يملك الوعي بخطورة الفيروس. هو لم تصله المعلومات الكافية التي تجعله يلزم بيته، وهؤلاء يتحمّلون المسؤولية إضافة إلى وسائل الإعلام المختلفة التي عجزت عن الوصول إليهم أو إقناعهم.
التفسير الثالث: إن قطاعاً واسعاً من فئة الشباب يعتقدون أنهم لن يصابوا بالمرض أبداً بسبب قوة مناعتهم، طبقاً لما تردد في الفترة السابقة، لكن منظمة الصحة العالمية أعلنت يوم الجمعة الماضي، أن ذلك ليس صحيحاً وأن الشباب يصابون بالفيروس، مثل غيرهم، لكن ربما بصورة أقل من كبار السن، الفارق هو أنهم إذا حملوا المرض فإنهم سوف يصيبون كل من يحتك بهم خصوصاً أقاربهم، لذا فالمطلوب من الجميع بذل أكبر جهد ممكن لتوعية الشباب بخطأ الاعتقادات بشأن كورونا.
التفسير الرابع: هو ضعف وتراجع دور وسلطة الأسرة والعائلة على أفرادها، خصوصاً الشباب. لم تعد السلطة القوية القديمة موجودة لأسباب يطول شرحها، لكن من أهمها «السوشيال ميديا» التي حوّلت أفراد الأسرة إلى جزر منعزلة داخل البيت أو الغرفة الواحدة، وبالتالي لم تعد الكثير من الأسر قادرة على إقناع أبنائها الصغار خصوصاً الشباب بالبقاء في المنزل.
ختاماً، نحتاج في غالبية بلدان العالم، خصوصاً تلك التي تشهد معدل إصابات واسعاً، إلى حملات توعية مكثفة تشارك فيها كل الجهات ذات الصلة، خصوصاً وسائل الإعلام المختلفة ودور العبادة ومنظمات وهيئات المجتمع المدني والحكومات والأندية والمؤسسات لإقناع الجميع برفع شعار «خليك بالبيت».
إذا كنا نتقبل تعطيل العبادة في الكعبة المشرفة، وصلاة الجمعة والجماعة في المساجد، ووقف العبادة في بيت لحم والفاتيكان وسائر الكنائس من أجل السلامة العامة، ألا يتطلب الأمر أن نلتزم بيوتنا حتى تنجلي هذه الغمة؟!.