«كورونا» الضيف الثقيل على الجميع

ت + ت - الحجم الطبيعي

يتعرض النظام العالمي، الذي نعيش في أطره الفكرية والسياسية والاقتصادية والإدارية إلى اختبارات جدية،ُ تهز كياناته بقوة بين الحين والحين، تتراوح بين أزمات مالية تعصف باقتصادات دُولِهِ أو تلوثات بيئية، تتجاوز مخاطرها نطاقها المحلي والإقليمي أو توترات سياسية تنذر بتحول صراعات محلية إلى إقليمية أو إلى دولية أو أوبئة تتجاوز قدرات العديد من الدول على التعامل معها.

وباء «كورونا» أحد الاختبارات الأكبر لقدرات هذا النظام في الاستمرار على البقاء بأطره الحالية، فالعالم كله مشغول على جميع المستويات بمتابعة أخباره، ويتعاظم قلقه مع اتساع وتيرة انتشاره إلى جميع دوله، العديد منها غير قادرة بالمرة على مواجهة تداعياته كما أن هناك شكوكاً حول مدى توافر هذه القدرات لدى الدول المتقدمة، فهو تحد حقيقي للنظام العالمي القائم.

توصيف هذا الوباء من قبل منظمة الصحة العالمية وهي جهة استشارية لا مجال للتشكيك برجاحة استنتاجاتها المهنية بأنه «جائحة عالمية» يتطلب التوقف والتأمل بمدى أهمية وخطورة أبعاد ذلك، فهكذا التوصيف لم يسبق أن أطلق على أوبئة شبيهة إلى حد ما تصيب الجهاز التنفسي، شهدنا انتشار بعضها في العقود الأخيرة من السنين تحت مسمى «إنفلونزا الخنازير» وأخرى تحت مسمى «إنفلونزا الطيور» اللتين تسببتا بخسائر مادية باهظة خاصة في قطاعات السياحة والطيران، إلا أنهما لم يتسببا بمثل ما تسببه «»كورونا«» من رعب واستنفار عالمي.

وترتفع وتيرة المخاوف من التأثيرات الاقتصادية على التجارة العالمية وحركة تبادل السلع والسياحة ما يصعب التكهن بأبعاده.

«كورونا» وباء قاتل يجتاح العالم ويثير مختلف التساؤلات وشتى التكهنات والاتهامات عن منشئه، وعن مصدره وعن تأثيراته السياسية ومستقبل التعامل معه ومع تداعياته الكثيرة والمتشعبة على مختلف الصعد التي وصلت إلى حد شل الحياة في معظم دول العالم، بسبب العجز عن احتوائه.

سرق هذا الوباء الأضواء عن الأحداث الأخرى التي تجري في العالم، وتسبب في اتخاذ قرارات لا تتخذ إلا في حالات الأزمات الشديدة الخطورة، وهي إعلان حالات الطوارئ والاستنفار في معظم دول العالم، وعلى رأسها الولايات المتحدة.

الوباء يميط اللثام عن عيوب النظام العالمي في مواجهة خطر داهم لم يسبق للعالم مواجهته، وأبرز هذه العيوب هو ضعف قدرات المنظمات الدولية، التي تتفرع عن منظمة الأمم المتحدة في مواجهة ذلك.

الأمم المتحدة هي المنتدى الأوسع للقاءات بين دول العالم وتبادل الخبرات ووجهات النظر والتنسيق ضد الأخطار المشتركة، ولكن هذه المنظمة لا تلقى اهتماماً من قبل أعضائها بما يرقى إلى مستوى أهمية الدور الذي بعهدتها وفق ما ورد في ميثاقها، فهي على المستوى المالي مقيدة بشكل كبير في ميزانياتها التي لا ترقى إلى مستوى ما لديها من مسؤوليات وبشكل خاص منظمة الصحة العالمية، فبعض الدول تمتنع عن دفع اشتراكها السنوي أو تماطل في ذلك.

والحقيقة أن التعامل مع هذا الوباء في بلد ما يعتمد إلى درجة بعيدة على القدرات المالية، التي بحوزته وعلى مستوى الخدمات الصحية المتوافرة فيه، فهناك بون شاسع في هذه القدرات بين بلد وآخر وما يمكن للأمم المتحدة تقديمه من خبرات ومساعدات يعتمد إلى درجة كبيرة على ما يتوافر في البلد نفسه من بنى صحية تحتية من وعي، ومن كوادر طبية وأخرى مساعدة، وعن توافر مستشفيات أو أماكن حجر صحي يتطلبها التعامل مع الوباء.

وكانت المنظمة الأممية قد أصدرت في وقت سابق نداء للتبرع بمبلغ 675 مليون دولار أمريكي لتمويل برامج مكافحة هذا الفيروس الجديد في تعبير صريح عن ضيق اليد والعجز عن القيام بالمهام الإنسانية الموكلة لها لمواجهة هذا الوباء.

فرضت إجراءات الوقاية من الوباء اللجوء إلى وسائل جعلها التطور الرقمي التكنولوجي خيارات ممكنة، فهناك تحول واسع في ممارسة المهام اليومية في شتى المجالات إلى التواصل الإلكتروني عن بعد خصوصاً في عالم إدارة الأعمال وعالم التعليم، الذي أوقف على مختلف المستويات في المدارس وفي الجامعات في معظم الدول، وأصبح ممارسته عن بعد خياراً لا مفر من الأخذ به، وهو ما سيُحدث، على المدى البعيد، نقلة نوعية في بنيته وفي أساليبه وطرائقه وستولد وتتطور الكثير من الأفكار والابتكارات حول ذلك.

Email