فيروس كورونا والعولمة وأشياء أخرى

ت + ت - الحجم الطبيعي

ربما يكون لفيروس «كورونا» ما هو أكثر من كونه «وباء» حسب وصف منظمة الصحة العالمية مؤخراً، إذا ما وضع الأمر كله في إطاره التاريخي، فحتى أول العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين كانت «العولمة» وسيطرة القوة العظمى الوحيدة الباقية في العالم هي قصة عقدين سابقين.

انتهى الأمر كله خلال عقد كامل شهد «الربيع العربي» المزعوم، وما بعده من حروب وثورات، وظهور التحدي الصيني على الساحة العالمية، وخرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في عملية سميت «بريكسيت»، بات واضحاً أن العولمة تتفكك إلى دول قومية متنافسة، ظهر فيها أن القومية الروسية لديها من العنفوان النووي ما يكفي للعودة إلى الساحة الدولية عبر جورجيا وأوكرانيا وسوريا.

ومع انتخاب «دونالد ترامب» في 2016 كان ذلك إعلاناً من الدولة العظمى الوحيدة أنها راغبة في الانسحاب من الساحة العالمية، حتى إن حلفاءها الكبار في أوروبا وشرق آسيا باتوا أحمالاً ثقيلة. لم يعد انتقال البشر بين دولة وأخرى، أو بين الجنوب والشمال، علامة على ازدهار الحياة الإنسانية، وإنما زحف يجب أن تقف أمامه أسوار، وجنود وإجراءات وفيزات.

نشبت حروب باردة تجارية، وثبت أن اقتصاد الولايات المتحدة يمكنه الازدهار من دون سيطرته على العولمة سواء بالقوة المسلحة أو القوة الناعمة. من الزاوية الأمريكية فإن «دونالد ترامب» بدا على صواب أشياء كثيرة، بما فيها استعداده لعقد اتفاق سلام مع طالبان.

في زمن العولمة كانت البشارة هي انتهاء الحروب العالمية والإقليمية، وانتهاء مجاعات البشر وبحثهم عن الغذاء، وبات ممكناً الحديث عن نهاية «الطاعون» أو الأمراض المزمنة مثل السكري والسرطان أو المعدية بعد أن نجح الإنسان في مواجهة «الإيبولا» وأنواع من إنفلونزا الطيور والخنازير.

فيروس «كورونا» لم يعد قضية محاصرة فيروس ما زال مستعصياً على التشخيص والعلاج، وإنما ما واكبه من انهيار في البورصات العالمية بما فيها البورصة الأمريكية، ومن بعدها أسعار النفط، ونشب خلاف بين روسيا والسعودية بعد انسجام، أصبح الأمر كما لو كانت هناك «سلسلة» من الأحداث الخطرة التي يعقبها أحداث أكثر خطورة، أصبحت الولايات المتحدة المزدهرة على حافة انكماش اقتصادي، وبدا العالم على شفا «الكساد».

الفيروس عرض قلب العالم الصناعي في الصين إلى اختبار كبير فقد تراجعت معدلات النمو الصينية، وأصبحت صناعات العالم التي تعتمد على الصناعة الصينية في حالة شلل.

انهيار الصناعة العالمية قلل الطلب على النفط، وعلى التجارة العالمية فقل دخل قناة السويس، تعرضت الاقتصادات «البازغة» لاختبار رهيب لم تكن بنيتها الصحية مستعدة له. نضبت الحركة في المطارات والموانئ، وبينما لبس البشر الكمامات علها تقي من العدو الذي بات فوق كل العداوات الأخرى، فإنه لم يعد هناك خيار آخر إلا العودة مرة أخرى إلى «العولمة».

ورغم أنه ساعة كتابة هذا المقال فإن الولايات المتحدة كانت قد أعلنت عن وقف الرحلات الجوية بين دول «الشنغن» وأمريكا كونه نوعاً من فك الارتباط الأمريكي- الأوروبي في المجال الصحي، فإن الضغط على إدارة ترامب بات كثيفاً لكي يقبل بالتعاون الدولي، من أجل مواجهة الفيروس ونتائجه الاقتصادية الصعبة على مستقبل العالم وكل دولة على حدة.

فيروس «كورونا» أصبح نوعاً من «نوبة الصحيان» الضرورية للعالم أنه مهما نجحت الدول في بناء الأسوار فإنه لم يعد ممكناً للدول وحدها التعامل مع سلسلة الأحداث الخطرة الممثلة في «الاحتباس الحراري»، والتي أدت إلى كوارث زراعية في العديد من الدول نتج عنها وفق تقارير دولية إلى وفاة 815 مليون مواطن نتيجة ضعف أو قلة الغذاء.

الفيروس الذي يلقي الاهتمام الحالي لم يكن، ولن يكون، لا أول أشكال الوباء ولا آخرها، فلقد أصبح الطاعون ماثلاً ومطلاً مرة أخرى على البشرية.

وإذا كانت الحرب لا تزال بعيدة بسبب الخوف من نتائج استخدام الأسلحة النووية فإن هناك من التطورات ما هو منذر، فالعالم يشهد أكبر عملية لسباق التسلح بين القوى العظمى والكبرى عرفها في تاريخه، كان سببها التطورات التكنولوجية الكبيرة.

وإذا كانت أمريكا وروسيا انسحبتا من اتفاقية الصواريخ متوسطة المدى، فإن ذلك كان إطلاقاً لنوبة جديدة من سباق التسلح وبناء الصواريخ التي تصل إلى كل العواصم.

 

 

Email