مشكلات المنطقة.. مداخل ومقاربات

ت + ت - الحجم الطبيعي

تنحو معظم التحليلات السياسية التي تتناول مشكلات الشرق الأوسط والشمال الأفريقي والتي تصدر عن صحفيين محليين نحو اتهام الدول الكبرى بالمسؤولية عن صناعتها أو الوقوف خلف تأجيجها متجاهلة حقيقة أن ذلك ليس دقيقاً تماماً على الرغم من أن للدول الكبرى مصالح في معظم بقاع العالم ولديها تأثيرات بهذا القدر أو ذاك على مسارات الأحداث التي تجري فيها.

فمنذ عقود من السنين نشهد تفاقم المشكلات في هذه المنطقة بفعل تباين الرؤى حول مديات أبعادها وتراكم سلبيات السياسات المنتهجة من قبل نخبها السياسية.

مشكلات هذه المنطقة ليست طارئة أو مفتعلة فهي من النوع (المعتق) بمعنى أنها ليست وليدة الحاضر وإن تسترت بأقنعته بل وليدة ماض رغم الادعاء بنزع أرديته، مشكلات تمكنت من الكمون أمداً طويلاً لتندلع بين الحين والحين حسب الظروف السياسية التي تمر بها المنطقة لتفرض حضوراً قوياً فاعلاً لأنها لم تقارب بطرائق واقعية ولم تتوافر نوايا حقيقية لذلك فتعمقت جذورها واكتسبت تعقيدات إضافية.

مشاريع الحلول المطروحة لمعالجتها لم تول تعقيداتها العميقة الجذور ثقافياً وعرقياً وعشائرياً ومناطقياً ما تستحق من اهتمام يتجاوز الاهتمام بغياب الحقوق السياسية وتردي الأحوال الاقتصادية.

مسار التطور في الشرق الأوسط لا يشبه المسار الذي اتبعته أوروبا والتي تعلمت من تجربتها الذاتية فالنموذج الأوروبي لا يمكن استنساخه كما تقترح المشاريع المقدمة من الولايات المتحدة والتي كان آخرها مشروع الشرق الأوسط الكبير.

وزاد الطين بلة أن الثورات أو الانقلابات العسكرية التي شهدتها عدد من دول المنطقة بين عامي 1950 و1970 تحت ستار استكمال الاستقلال الوطني لم تكسبها مناعة لمواجهة الأزمات بل قد ترتب عليها في أغلب الحالات المزيد من التراجع في الحريات السياسية وربما المزيد من التدهور في الوضع الاقتصادي بفعل السياسات المرتجلة التي انتهجتها السلطات الانقلابية.

حين تندلع أزمة ما في إحدى دول المنطقة تستغرق سنوات طوال كي تتراجع حدتها وليس للتوصل إلى حلول حقيقية تمنع عودة اندلاعها مما يسمح لدول أخرى التوظيف فيها لدفعها نحو المزيد من التعقيد ونحو المزيد من الإطالة كما رأينا ونرى في كل من -سوريا وليبيا -البلدان التي لَمَا تر النور في نهاية النفق بعد.

تعير منظمة الأمم المتحدة أقصى درجات الاهتمام لهذه الأزمات لأن لها تداعيات خطيرة على الأوضاع الأمنية للدول الأخرى في المنطقة ولها ارتدادات على مصالح الدول الأخرى وفي مقدمتها دول أوروبا القريبة منها جغرافياً والولايات المتحدة (المجاورة) لها (سياسياً) بحكم كونها اللاعب الأبرز عالمياً لسعة مصالحها السياسية والاقتصادية والعسكرية.

ورغم الاهتمام الذي تبديه المنظمة الدولية بمشكلات المنطقة إلا أنها تكرر فشلها في مقارباتها لها رغم أن لها مندوبين دائمين في كل دولة من الدول التي تشتعل فيها الخلافات التي تطورت الاشتباكات المسلحة فيها إلى حروب أهلية حقيقية لأنها لا تمتلك أدوات حلها بحكم ميثاقها الذي ينص على استقلالية الدول واحترام سيادتها وعدم المساس بقدسية وحدتها الجغرافية.

انسحاب المندوب الأممي غسان سلامة من مهمته مؤخراً كرئيس لبعثة الأمم المتحدة في ليبيا وانتكاس جهود السلام فيها يسلط الضوء من جديد على وضع الشرق الأوسط المختنق بأزماته الشديدة التعقيد وعلى القصور في الإمكانات المتاحة على مقاربتها بقدرات المنظمة الدولية وبأدواتها المتوافرة التي يوظف فيها الحوار السلمي فحسب.

انسحاب سلامة ليس الأول فقد انسحب أكثر من مندوب سبقه لنفس الأسباب وانسحب مندوبون عديدون في كل من سوريا واليمن بعد أن أرهقتهم تعقيدات أزمات هذه البلدان واستنزفتهم فكرياً وصحياً مسجلين بذلك عقم برامج ومشاريع الأمم المتحدة وفشلها في مضمار مقاربة أزمات هذه المنطقة.

فشل البعثات الأممية في مقاربة الأزمات في بلدان عديدة ليس مما يرضي الأسرة الدولية ولا يقنعها بكل تأكيد على تقبلها وهضم مراراتها، فهناك ضرورات ملحة لوضع مداخل ومقاربات جديدة أمام المنظمة الدولية تعزز من قدراتها على مواجهة هذه الأزمات فما يتوافر لديها في أقصى الحالات ليس سوى قوات غير قتالية متعددة الجنسية تعتمر القبعة الزرقاء تقتصر مهامها على الفصل بين المقاتلين في الدول التي تشهد حروباً أهلية.

* كاتب عراقي

 

Email