صناعة الأمل حرفة إماراتية

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم نعتد في وقتنا الحاضر، المليء بالصراعات والأزمات وفي عالمنا العربي، حيث الكل يتربص الكل سياسياً، أن نشهد حكومة دولة ومسؤوليها يقومون بتكريم من يعملون على إسعاد الآخرين ويجتهدون في بث روح الأمل فيهم، باعتبار أن الفعل هو حافز لهذه النخبة المميزة من أفراد المجتمع، الذين ارتقوا بمشاعرهم الإنسانية تجاه الآخرين وأحسوا بهم، رغم إدراك أغلب الناس في عالمنا عن حاجة سكان هذا الكوكب إلى الشعور بالأمل الذي بات عاملاً مهماً، كونه أساساً لمواجهة التحديات والصعاب التي يعاني منها الكثير من المجتمعات.

وإذا ما افترضنا أن هناك من هو منتبه إلى من يصنعون الأمل ويبثون الفرحة لدى الناس ويعرف جهدهم، فإن ذلك لا يعدو أن يكون اجتهاداً عابراً أو مناسبة طارئة وليس مخططاً له في أن تكون ضمن أجندات حكومة دولة سنوياً، احتفال صناع الأمل الأسبوع الماضي كان النسخة الثالثة منه، التي يتم فيها التخطيط والتجهيز لها وفق فريق خاص ومتكامل، بل يمكن الجزم بأن هذا الأمر لم يخطر على بال الكثيرين، ليس في ظل ما نشاهده من انتشار شراهة حب التملك وشهوة الحصول على كل شيء، مع غياب شبه تام أو تراجع ثقافة العطاء والمشاركة، مع أنها الأساس في كل الحضارات الإنسانية أو على الأقل الرهان على الاستمرارية والتوسع في المشاركة.

باتت احتفالية «صناع الأمل» التي تعقد في إمارة دبي بدولة الإمارات كل سنة، بجانب الكثير من القصص الإنسانية، من عجائب هذا الزمان، لأنها من القصص التي لا تتكرر كثيراً، ولا تسمع عنها بسهولة في تاريخنا المعاصر.

وللتاريخ، فإن صناعة الأمل للإنسان في دولة الإمارات ليست نابعة من فراغ، ويعرف المتابعون أن القيادة الإماراتية التي تعيش تفاصيل شعبها بدقة (لأن خطوط الاتصال والتواصل مفتوحة ومتنوعة بينهما لا تحدها أي حواجز أو عوائق)، وبالتالي تكون هي الأقرب إلى تفهم ما يحتاجه الإنسان بشكل عام.

فالجميع يشترك في الاحتياجات الأساسية في كل مكان بالعالم، ويدعم هذا الفهم ويوضحه أكثر استضافة الدولة لجاليات من مختلف أنحاء المعمورة، الكل فيها يبحث عن أمل له وفق الزاوية الخاصة به مثل:

هناك صاحب الحاجة إلى الأمن والاستقرار، وهناك الباحث عن العدالة الاجتماعية من خلال وظيفة أو حتى الفرح والسعادة. أما الأهم من كل هذا أن هذه الصناعة هي جزء من استراتيجية الحكومة الإماراتية ليس في الوقت الحاضر وإنما بدأت مع المؤسسين لهذه الدولة.

يحتار المراقب أحياناً عندما يجتهد في محاولة فهم وتفسير ما تقوم به دولة الإمارات التي تبدو لمن لا يدرك أفعالها أنها تسبح عكس التيار العالمي، ولكن في الحقيقة عندما يركز يجد أن تلك الأعمال تدخل ضمن جهود بعث مفاهيم الإنسانية من جديد كي تكون أكثر استشعاراً بالآخرين في ظل حالة من الصخب العالي لمفاهيم «تسليع» كل شيء بما فيها المشاعر الإنسانية،.

وأن تكريم هذه الشريحة من أفراد المجتمع هو نوع من المواجهة غير المباشرة ضد سلوكيات «دخيلة» على النفس البشرية العفوية، وللأسف أنها بدأت تنتشر مع بروز «العولمة»، والتي أساءت كثيراً للقيم العليا، والتي يعتقد الكثيرون أنها وقتية لأنها ترجمة لظاهرة معينة.

وبالتالي أفضل طريقة لمواجهتها ومحاربتها تكمن في إبراز قصص النجاح وزيادة الاحتفال بها وإشراك كل شرائح المجتمع من مختلف دول العالم، وهذا فعلاً ما تم خلال الدورة الثالثة من صناع الأمل التي عقدت قبل أسبوع.

إذا فتشنا في أسباب الكثير من التحديات والأزمات التي تواجهها المجتمعات البشرية خاصة في آسيا وأفريقيا، وعن مسببات كوارث الإنسانية، فلن نجد غير أن اليأس من وجود الأمل هو المحرك الرئيسي لها، خاصة لدى شريحة الشباب المقبلة على الحياة.

جوهر ما تفعله دولة الإمارات من خلال مبادرة صناعة الأمل أنها تعيد اتجاه البوصلة الإنسانية التي شوهتها بعض السلوكيات الجشعة، لتجعل منها عامل قوة من خلال تكريم روادها المبدعين، فهذه هي رؤية قيادة الإمارات في معالجة الكثير من التحديات التي تعاني البشرية منها.

* كاتب إماراتي

 

Email