نموذج مجدي يعقوب

ت + ت - الحجم الطبيعي

قد يختلف المصريون على أشياء وقضايا وشخصيات كثيرة، ويتفقون على القليل.

من بين ما يتفق عليه المصريون تقريبا هو الدكتور مجدي يعقوب. كل العقلاء والأسوياء والبسطاء يرونه مثلاً مصرياً كبيراً ورمزاً للإنسانية، نذر نفسه لخدمة المرضى بغض النظر عن عرقهم أو دينهم أو مذهبهم، فدخل قلوبهم واستقر بها، وحظي بمكانة لا تتوافر إلا لقلة قليلة.

ونظراً لتاريخه وإنجازاته وسيرته الحافلة، فقد تلقى جراح القلب العالمي الكبير مجدي يعقوب العديد من التكريمات في مختلف بلدان العالم.

آخر هذه التكريمات كان في دبي مساء يوم الخميس الماضي، من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، الذي منحه وسام خدمة الإنسانية، خلال الحفل الختامي لمبادرة «صناع الأمل»، من مؤسسة محمد بن راشد للمبادرات العالمية، وهي المبادرة الأولى من نوعها لأصحاب العطاءات الإنسانية المتميزة، التي تعد استمراراً لسياسة دولة الإمارات في احتضان صناعة الخير والأمل والإيجابية لكل العرب.

لم يكن تكريم مجدي يعقوب بوشاح محمد بن راشد الإنساني، هو الخبر المفرح الوحيد في الحفل، بل أيضاً كان تبرع الحاضرين خلال نصف ساعة فقط بحوالي ٤٤ مليون درهم. ثم أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد عن مكرمة سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد، ولي عهد دبي، بالتبرع برقم مماثل، ليصل الإجمالي إلى ٨٨ مليون درهم من أجل المساهمة في إنشاء مركز مجدي يعقوب الجديد للقلب في القاهرة، والذي سيجري ١٢ ألف عملية سنوياً لمرضى القلب في مصر والوطن العربي، غالبيتهم ستكون من الأطفال، بحيث تكون ٧٠٪ من هذه العمليات مجانية.

يعقوب شخصية استثنائية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. هو مولود في بلبيس بمحافظة الشرقية في ١٦ نوفمبر ١٩٣٥، تخرج من كلية الطب بجامعة القاهرة لأسرة تعود جذورها إلى المنيا في صعيد مصر. والده كان طبيباً، وحينما كان عمر مجدي سبعة أعوام، توفيت عمته في سن صغير بسبب ضيق في صمام القلب.

وقتها شاهد والده يبكي بحرقة، فقال له الابن إنه سيدرس الطب ليجد حلاً لمثل هذه المشاكل. وهكذا وبسبب مرض ثم وفاة عمته، اتجه يعقوب إلى دراسة الطب. وبالفعل تخرج من كلية الطب جامعة القاهرة، ثم سافر إلى بريطانيا عام ١٩٦٢، وأكمل جزءاً من دراسته العليا في شيكاغو الأمريكية.

عمل أخصائي جراحات القلوب والرنين في مستشفيي هارفيلد من ٦٩ ــ ٢٠٠١. وفي عام ١٩٨٠ أجرى عملية نقل قلب لدريك موريس، الذي دخل موسوعة جينز كأطول مريض قلب على قيد الحياة حتى وفاته في ٢٠٠٥.

ولأنه أجرى أكثر من ألفي عملية زرع قلب، و٤٠ ألف عملية قلب مفتوح، فقد وصفه الإعلام المصري والبريطاني والدولي بـ«ملك القلوب وملهم العقول» وحصل على لقب «سير» في بريطانيا.وفي مصر حصل على وسام قلادة النيل في ٦ يناير ٢٠١١ من الرئيس الأسبق حسني مبارك.

حينما بلغ عمره ٦٥ عاماً، اعتزل إجراء العمليات الجراحية، لكن في عام ٢٠٠٦ قطع الاعتزال ليقود فريقا طبيا أجرى عملية معقدة تتطلب إزالة قلب مزروع في مريضة بعد شفاء قلبها الطبيعي.

وانجازه المستمر في مصر هو إنشاء مركز مجدي يعقوب للقلب في أسوان والمخصص للأطفال فقط، وغالبية عملياته مجانية ويعتمد على تبرعات فاعلي الخير.

هذا المركز يعمل حاليا على إخراج الخلايا الجزعية من الجلد واستخدامها في صناعة عضلة القلب، ويعد الأول في المنطقة تخصصاً في أبحاث القلب وعملياته الجراحية. بدأت فكرته عام 2009، ومقام على 37 ألف فدان، ويستوعب 300 سرير وبه 1200 طبيب وباحث وممرض، ويعالج سنوياً ما بين 80 إلى 100 ألف شخص، ونسبة الوفيات فيه هي الأقل على مستوى المراكز المماثلة.

تكريم «مبادرة صناع الأمل» في دبي لمجدي يعقوب أمر في منتهى الأهمية ليس فقط لإعطاء دفعة للمركز الجديد في القاهرة بل لأنه يبعث أيضاً برسالة قوية لكل مجتهد وناجح في هذه الأمة بأن الإنجاز الحقيقي لن يذهب هباء خصوصاً أن المنطقة العربية تعاني من ظواهر «سطحية» كثيرة.

هي رسالة بأن الزبد يذهب جفاء وأن ما ينفع الناس يمكث في الأرض.

بعض العقول الساذجة والمغرر بها أو المتطرفة أو المغيبة تسأل أحياناً: هل سيدخل مجدي يعقوب الجنة؟!.

هو نفسه رد مؤخراً في دبي على هذا السؤال بإجابة نموذجية عبقرية وهي: «أنا هنا في الجنة».

الله هو من يحكم علينا يوم القيامة بأعمالنا ونوايانا.

* رئيس تحرير صحيفة «الشروق» المصرية

 

Email