الحيلة عند العرب

ت + ت - الحجم الطبيعي

يقول المثل العربي «من له حيلة فليحتال». ولا يبدو أن العرب كانت أمة شفهية حتى في حيلها. إذ تبين أن من بينهم من كان يدوّن تلك الحيل لتتناقلها الأجيال المقبلة.

فقد اكتشف الباحث رنيه خوام مخطوطة مودعة في مخزونات المكتبة الوطنية في باريس كتبت في العربية عام 1651 ميلادي بعنوان «السياسة والحيلة عن العرب»، غير أنها انتشرت في اللغات الأجنبية قبل العربية حتى أخرجها إلينا الباحث رنيه عام 1976. فهي مليئة بالأقاصيص والنوادر والمحاولات لاستعادة جزء من تاريخنا وكيف كان يفكر العرب.

هذا الكتاب محاولة من المحاولات القليلة، باعتبارنا أمة قلما تدوّن هذه الأمور لاعتبارات عديدة مرتبطة بأميتنا وتراجعنا وانشغالنا في أمور آنية وهامشية.

فالصينيون مثلاً قدموا لنا جوهرة التخطيط الاستراتيجي قبل آلاف السنوات في كتاب «فن الحرب»، والذي يروى أنه أول نص مكتوب عن التخطيط الاستراتيجي، والحيل عموماً التي تستخدم في عالم الأعمال حتى عصرنا. فلا تكاد تخلو خطة استراتيجية أو تسويقية أو جهود تفاوضية من فكرة تطرق إليها فن الحرب.

والعرب كذلك سبقوا كتاب الأمير «الغاية تبرر الوسيلة» بعقود، ولذا لم أستغرب حينما قال مقدم الكتاب رنيه خوام إن كتاب الأمير «من أشهر كتب الإمارة أو فن الحكم والسياسة»، الذي «تأثر بالفكر الشرقي وذلك عبر تجار البندقية، الإمارة الأكثر احتكاكاً بالبلاد العربية والإسلامية آنذاك»، انتهى كلامه.

وأشار مقدم الكتاب إلى أن لفظ «حيلة» قد يثير سوء فهم أو التباساً في الثقافة الغربية والعربية. فكلمة «حيلة» تشير في معناها الأصلي إلى «آلة توفر الجهد والمشاق على الإنسان».

ويعتبر المؤلف أن الحيلة أمراً مشروعاً لأنها «أكثر الوسائل حذقاً ومهارة للوصول إلى الأهداف والغايات».

يذكر الكتاب مئات الحكايات، منها مثلاً حيلة لجأ إليها معز الدولة لعبور نهر دجلة في العراق هروباً من أعدائه، وذلك بصنع زوارق وسراط ذكرني بخط بارليف المصري. ويذكر المؤلف حيلاً عديدة في التعامل مع الاتباع (المرؤسين) والخصوم، والعمال، والأقارب وغيرهم.

وأجمل ما في الإصدار أنه ليس وعظياً فهو يروي الحيل (سلبية أو إيجابية) ليترك لنا مطلق الحرية في الحكم أو اختيار ما نشاء كبشر.

وتناول الكتاب في شقه الأول حكايات ونوادر ذات بعد ديني، تناولت الحث على الحيل وأنواعها، وحيل الوزراء والعمال في قديم الزمان، فضلاً عن حيل القضاة والفقهاء والأطباء والشعراء والتجار والنساء والصبيان. ولم ينسَ عالم الحيوان الذي تمارس فيه أيضاً حيلاً تستحق التأمل. وكذلك حيل اللصوص و«العيارين» الذين لا يكاد يخلو منهم عصر واحد.

إذاً، استخدام العقل في الحيل قد يثمر أو يدمر. ولذا قال سقراط «لو صُور العقل لأضاء معه الليل ولو صور الجهل لأظلم معه النهار»، غير أن البعض من القلة تحصر قدرات عقلها الواسعة في حيل الشر.

فهذا العقل العظيم الذي ثبت علمياً أن الإنسان لم يستخدم سوى جزء يسير منه لم يتسنَ لنا اكتشاف عبقريته الحقيقية حتى الآن. والأسباب كثيرة منها نمطية التدريس التي تئد تدريجياً إبداعاتنا وتحجم طريقة تفكيرنا.

والتساؤل الذي يطرح نفسه، لو أن العرب بالفعل استخدموا الحيل المشروعة عبر الحوار الهادئ، والنقاش البنّاء، وحسن التفاوض والتدبر لصارت حياتنا أفضل، ولربما حفظنا أرواح الناس وأوقفنا إراقة الدماء في العصر القديم الذي لم يكن يأخذ حظه الكافي من تلك الحيل المشروعة.

* كاتب كويتي

 

Email