اقتصاد مصر.. المؤشرات ومعيشة المواطنين

ت + ت - الحجم الطبيعي

يحق لصناع السياسة الاقتصادية المصرية أن يشعروا بالارتياح، بسبب ما تحقق من إنجازات مهمة خصوصاً ما يتعلق بالمؤشرات الكلية للاقتصاد، وفي الوقت نفسه يحق للمواطنين العاديين، أن يسألوا: متى تنعكس هذه المؤشرات على معيشتهم؟!

يوم العاشر من فبراير الحالي، أعلنت وزارة المالية المصرية التقرير نصف السنوي عن الأداء الاقتصادي.

في هذا التقرير كانت هناك أرقام مهمة، منها أن الموازنة العامة للدولة حققت فائضاً أولياً بنحو ٢٪ خلال النصف الأول من العام المالي الحالي ٢٠١٩ ــ ٢٠٢٠. وهو ثاني أعلى فائض على مستوى العالم بعد الإكوادور.

ماذا يعني هذا الفائض الأولي؟! يعني أن إجمالي ما تم تحصيله من إيرادات أكبر ٢٪ مما تم إنفاقه من مصروفات، وذلك قبل حساب فوائد وأقساط الديون. بمعنى آخر أنه إذا لم تكن هناك ديون مستحقة، فإن الموازنة حققت فائضاً بنسبة ٢٪.

رقم مهم أيضاً وهو انخفاض العجز المالي الكلي إلى ٧٫٢٪، وهو مؤشر مهم إذا عرفنا أن هذا العجز كان يصل إلى أكثر من ضعف هذا الرقم في سنوات ماضية. والانخفاض يعني أن الأجيال القادمة لن تتحمل أعباء إضافية.

المستهدف هو خفض الدين الحكومي إلى ٨٣٪ من الناتج المحلي الإجمالي. وهو مؤشر مهم بالنظر إلى أن النسبة كانت قد وصلت إلى أكثر من ١٠٦٪، قبل عامين. وهناك ما يشبه الإجماع بين كبار خبراء الاقتصاد، بأن الحكومة ينبغي أن تسعى لتخفيض الديون لأدنى معدل ممكن.

الإنفاق العام على الصحة زاد بنحو ٢٠٪، وعلى برنامج التأمين الصحي بنسبة ٢٩٫٣٪، وعلى التعليم بنحو ٣٫٣٪، وتم سداد ٨٠ مليار جنيه من أموال التأمينات والمعاشات، كانت في حوزة الحكومة، وتعهدت بردها بصورة تدريجية.

أيضاً استقر معدل التضخم خلال يناير الماضي عند ٦٫٨٪، وهو معدل ديسمبر الماضي نفسه، في حين ارتفع التضخم على المستوى الشهري بنسبة ٨٪، علماً أن معدل التضخم السنوي خلال ديسمبر الماضي ارتفع إلى ٦٫٨٪ مقابل ٢٫٧٪ في نوفمبر ٢٠١٩.

بجانب هذه المؤشرات المهمة، كانت هناك أخبار إيجابية منها، ما أعلنه مصدر مسؤول بالبنك المركزي قبل أيام قليلة، بأن مصر استقبلت ١٢ مليار دولار تدفقات بالنقد الأجنبي خلال شهر ونصف، في أدوات الاستثمار غير المباشر، وتحويلات المصريين بالخارج والصادرات والسياحة.

التحويلات تصل لأكثر من ٢٥ مليار دولار سنوياً، وزادت إيرادات السياحة بنسبة ٢٨٫٦٪ إلى ١٢٫٩ مليار دولار، مقارنة بـ٩٫٨ مليارات العام المالي الماضي. إضافة لعائدات قناة السويس التي تزيد على 6 مليارات دولار. ومن المؤشرات المهمة انخفاض معدل البطالة إلى ٧٫٨٪ خلال الربع الثالث لعام ٢٠١٩، مقارنة بـ١٠٪ خلال الفترة نفسها لعام ٢٠١٨.

وكذلك ارتفاع احتياطات النقد الأجنبي إلى ٤٥٫٤ مليار دولار بنهاية ديسمبر الماضي، مقارنة بـ٤٢٫٥٥ مليار دولار نهاية ديسمبر ٢٠١٨.

إشادات مؤسسات التمويل الدولية بالاقتصاد المصري، لا تتوقف في الفترات الأخيرة، كما إن التصنيف الائتماني لمصر تحسن كثيراً، مع نظرة مستقبلية، خصوصاً من مؤسسات فيتش وموديز وستاندرد آند بور. كما واصل الجنيه المصري ارتفاعه بنسبة أكثر من ٢٠٪ أمام الدولار خلال أقل من عامين.

يقول الدكتور محمد معيط وزير المالية، إن الاقتصاد المصري تم تصنيفه ضمن أفضل خمس دول بالعالم في النمو الاقتصادي السنوي بمعدل ٥٫٦٪، وثاني أكثر دولة قادرة على تحمل الصدمات الاقتصادية.

الفكرة نفسها أكدها محافظ البنك المركزي طارق عامر، حينما قال في حوار مع شبكة «سي إن بي سي» مساء الأحد الماضي، إن التجارب التي مر بها الاقتصاد المصري جعلته قادراً على التعامل مع كل الأحداث الصعبة، مثلما حدث عام ٢٠١٨، خلال الحرب التجارية بين أمريكا والصين.

، حيث فقد الاقتصاد الكثير من الأموال في ذلك العام، وخرج نحو ١٢ مليار دولار، لم يؤثر على برنامج الإصلاح الاقتصادي، ومؤشراته الكلية، لأن البنك المركزي صار لديه الدعائم الكافية لتجنب حدوث صدمة في الاقتصاد المحلي.

طبقاً لكل هذه البيانات فإن مجمل ما حققه الاقتصاد المصري في المؤشرات الكلية، يعد إنجازاً حقيقياً، مقارنة بما كان موجوداً قبل تعويم الجنيه في ٣ نوفمبر ٢٠١٦. لكن مرة أخرى فإن غالبية المواطنين المصريين الذين دفعوا ثمناً باهظاً، وتحملوا بشجاعة أعباء برنامج الإصلاح، ينتظرون أن ينعكس تحسن المؤشرات الكلية على معيشتهم وحياتهم. وهذا هو التحدي الصعب الذي يواجه الحكومة المصرية في الفترة المقبلة.

* رئيس تحرير صحيفة «الشروق» المصرية

 

Email