الجميع يمتلك الأدوات

ت + ت - الحجم الطبيعي

شاهدتُ فيديو منشوراً عبر إحدى وسائل التواصل الاجتماعي يُظهر مسابقة بين ثلاثة أشخاص يتحدون فيه بعضهم البعض في استخدام ثلاث قطع من الإسفنج ليصلوا من خلالها إلى خط النهاية دون أن يلمسوا الأرض، فقط يُسمح لهم باستخدام قطع الإسفنج وعليهم أن يضعوها بمكان وطريقة تمكنهم من إنجاز المهمة، صحيحٌ أن الجميع يمتلك الأدوات نفسها، إلا أنّ التفكير والاستخدام هما من صنعا الفارق.

بالمصادفة شاهدتُ هذا الفيديو، وبالوقت نفسه قرأتُ في الصحف عن اكتشاف حقل جديد للغاز في المنطقة الواقعة بين إمارة أبوظبي وإمارة دبي، ونحن لسنا الوحيدين الذين نمتلك هذه الثروة والتي تسهم بشكل كبير في رفع مستويات اقتصاد الدولة واكتفائها الذاتي من احتياجات الغاز الطبيعي، ومن هنا جاءتني فكرة الربط بين الفيديو والخبر، فالجميع يمتلك الأدوات إلا أنّ التفكير الصحيح هو من يجعل الأمر جيداً وناجحاً.

في هذا العالم يوجد الكثير من الدول التي تمتلك الغاز والبترول، والعديد منها تفوق قدراته قدراتنا الإنتاجية، ولكن تفكيرنا المغاير والمختلف هو من صنع التفوّق لدولتنا دولة الإمارات، وجعلها حالة استثنائية في كيفية الاستغلال الأمثل لمقدرات البلاد من البترول، فالبترول سلاح ذو حدين، صحيح أنه يمثل عاملاً مهماً في الناتج القومي للدولة، ولكن الاعتماد عليه بشكل كبير يُفقد الدولة ميزاتها التنافسية في تنويع مصادر الاقتصاد، ومن هنا تأتي قدرة الدول على التفكير بالكيفية التي تتصرف بها بعائدات البترول وجعلها قادرةً على إيجاد مصادر دخل جديدة للدولة، وهذا ما فعلناه بشكل جيد في دولتنا.

الأدوات من حولنا كثيرة، وسنجد أدوات للنجاح ولعبور خط النهاية في جميع مجالات الحياة سواء على المستوى الشخصي أو المستوى الحكومي أو المؤسسي، ففي جميع الحالات هناك استراتيجية معينة هي من تجعلك ناجحاً وتجعل منك الفائز، وهذه الاستراتيجية مرتبطة بطريقة الاستخدام والاستغلال الصحيح للأدوات التي نمتلكها، وهذا الأمر ليس مبدأ جديداً ولا هي معلومة مستحدثة أو مكتشفة حديثاً، إنما التاريخ شاهد عليها ويثبت هذا الأمر، ومازال مستمراً حتى يومنا هذا.

ربما تتغير الأدوات وتستحدث من حين لآخر، فمن كان يجيد الكتابة على الآلة الكاتبة وكان يمتلك الاستراتيجية لجعل الأمر سهلاً وسريعاً بات اليوم بطيئاً في هذا المجال، ومن كان يعتمد على تأثير القنبلة الانشطارية كأداة فاعلة في الحروب بات اليوم ضعيفاً في ظل وجود القنبلة النووية، ومن كان يعتمد على كثرة أعداد الجنود من القوات البرية في المعركة بات اليوم صغيراً أمام القوات الجوية وتطوراتها التكنولوجية، وهكذا هي الأمور في الكثير من المجالات، ولهذا علينا أن نطوّر من أنظمة التفكير التي توظّف الأدوات والخبرات لإنتاج أفضل ما يمكن إنتاجه.

على جانبٍ آخر، أصدرت السلطات البريطانية، مؤخراً، قراراً بمنع بيع سيارات البنزين والديزل بحلول عام 2035، وهذا يعني أنه أمام شركات السيارات فقط 15 عاماً لتغيّر من طريقة تفكيرها وتتحول لإنتاج السيارات التي تعمل بالكهرباء أو ما يستحدث إلى حينها، والكثير من الشركات تمتلك الأدوات لصناعة سيارة جيدة لكن ليس الجميع لديه التفكير الجيد لإنتاج سيارة تتناسب مع متطلبات السوق الحالية أو المستقبلية، ولهذا نجد أن شركة «تسلا» الأمريكية قد ارتفعت قيمتها السوقية لـ 102 مليار دولار أمريكي بزيادة حجمها 20% في عام 2020، ونحن مازلنا في بداية العام، وهذا لأن منهجية التفكير لدى الشركة تختلف عن الآخرين، فهي تلبي احتياجات السوق المستقبلية، فحسّنت استخدام أدواتها، فهل ستستطيع الشركات المنافسة استخدام أدواتها بالشكل الصحيح لتلحق بتسلا؟!، سنتابع ونرى من سيعبر خط النهاية في هذا المجال.

ربما أخذتكم في مقالي هذا في جولة بين الشرق والغرب، بين القطاع العسكري وقطاع السيارات، بين النجاح الشخصي والنجاح الحكومي، وهذا لكون الأمر متعلقاً بمنهجية التفكير وأسلوب استخدام الأدوات المتاحة، وذات الأمر ينطبق على جميع الأمور في حياتنا، فمن يحسن استخدام ما يمتلك من مقومات ويستعد لما هو قادم، ويحسب خطواته بما يتناسب مع أدواته سيصل إلى خط النهاية محققاً المركز الأول.

Email