سلام المهزومين

ت + ت - الحجم الطبيعي

قبل عشرين عاماً، قال أحد الجنرالات الإسرائيليين الكبار، إن على «إسرائيل» ألا تكتفي بفرض الهزيمة على الفلسطينيين، بل عليها أن تفرض عليهم الاعتراف علناً بالهزيمة.

كان ذلك بمناسبة فشل مفاوضات كامب ديفيد الثانية بين الرئيس الراحل ياسر عرفات ورئيس وزراء «إسرائيل» في حينه إيهود باراك، برعاية الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلنتون.

ما قاله ذلك القائد العسكري الذي لم يصبح جنرالاً إلا بدماء الفلسطينيين والعرب، لم يكن مجرد كلام انفعالي، بقدر ما هو تعبير مباشر على أيديولوجيا الحركة الصهيونية ونظرتها لكل من يقف ضدها. ذلك الكلام ترجمة واستكمال لكلام بن غوريون «ولا بد أن تكون الأرض (الفلسطينية) للشعب الإسرائيلي»، وكلام غولدامائير «العربي الجيد هو العربي الميّت»، وكلام إيهود باراك «قتيلهم رقم أما شهيدنا فقصة».

هذا غيض من فيض الأيديولوجية الصهيونية الناضحة عنصرية وإرهاباً.

قبل يومين جرى نصب العديد من اللوحات الإعلانية في وسط مدينة «تل أبيب» المحتلة تمثّل العقلية الصهيونية ذاتها، وفيها تظهر صور مركّبة للرئيس الفلسطيني محمود عباس، ورئيس حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة بالقوة منذ 2007 إسماعيل هنية يجثوان على ركبتيهما وعيونهما مغطاة، ويظهران مرفوعيّ الأيدي في سيناريو «استسلام»، وفي الخلفية مبانٍ مدمّرة ودخان متصاعد من ساحات معركة مفترضة، وطائرات مروحية تحوم حولهما. لكن الأهم والأخطر من الصور، ما كُتب على اللوحات الإعلانية: «يتحقق السلام فقط مع الأعداء المهزومين». وهو كلام يلتقي تماماً مع كلام جنرالهم قبل عشرين عاماً، وكل قادتهم المؤسسين للحركة الصهيونية.

كان من الممكن أن يفكّر مُعدّو اليافطات أن من شأن هكذا خطوة أن تدفع المشهد الفصائلي الفلسطيني للوحدة الفورية، باعتبار أن معدّي اللوحات استهدفوا طرفي الانقسام، لكنّهم متأكّدون أن الانقسام الذي بات مزمناً ألغى كل الثوابت الفلسطينية و«جلس» مكانها.

Email