حالة الاتحاد الأمريكية المنقسمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

ألقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطاب حالة الاتحاد يوم الثلاثاء في وسط انقسام حاد بين الطبقة السياسية. وخطاب حالة الاتحاد هي جزء من واجبات الرئيس الأمريكي حسب الدستور، والذي يطلب من الرئيس أن يقدم بين الفينة والأخرى تقريراً عن حالة البلاد للكونغرس بشقيه النواب والشيوخ.وفي أول قرن من عمر الجمهورية كان الرئيس، بوجه عام، يقدم التقرير مكتوباً إلى المجلس التشريعي.

ولكن الرئيس وودرو ويلسون شرع في تقليد الذهاب إلى الكونغرس لتقديم خطابه شخصياً في العام 1913. ومنذئذ اندرج العرف على ذهاب الرئيس بداية كل عام إلى المجلس التشريعي وتقديم خطابه في جلسة يجتمع فيها كل أركان الدولة من أعضاء مجلس الشيوخ والنواب وأعضاء المحكمة العليا والوزراء ورؤساء الهيئات والقادة العسكريين. ويعكس هذا الحضور تلاحم مكونات الدولة في جلسة مشتركة تنقل بالبث الحي على وسائل الإعلام المتعددة.

ويشمل خطاب حالة الاتحاد في العادة الأمور المتعلقة بوضع البلاد بشكل عام والأمور الاقتصادية وميزانية الدولة. كما يشمل القضايا المهمة مثل الحالة الأمنية والعلاقات الخارجية للولايات المتحدة. ويستخدم الرؤساء هذه المناسبة لحشد الدعم لتشريعات وبرامج يودون تقديمها والحصول على مساندة المشرعين لهذه البرامج.

وفي يوم الثلاثاء المنصرم الموافق 4 فبراير، تقدم الرئيس دونالد ترامب إلى منصة الكونغرس لإلقاء خطابه السنوي والذي قاطعه بعض أعضاء الكونغرس من الديمقراطيين. وكما جرت العادة قدم الرئيس نص الخطاب إلى نائب الرئيس، مايك پينس، بصفته رئيس مجلس الشيوخ، ورئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي. وفي حركة غير متوقعة امتنع عن مصافحة الأخيرة.

يعود ذلك ربما إلى ما قامت به رئيسة مجلس النواب من قيادة المجلس لتوجيه اتهامات العزل. ولأول مرة يتقدم رئيس لإلقاء خطاب الاتحاد ولا يزال تحت طائلة الاتهام من قبل الكونغرس، ومحاكمة إجراءات عزله قائمة في مجلس الشيوخ.

وجرت العادة أن يقدم رئيس مجلس النواب الرئيس بعبارة «أنه من دواعي الشرف والتميز العالي تقديم الرئيس الأمريكي لكم». ولكن بيلوسي اكتفت بالقول «إليكم الرئيس الأمريكي». وليس هناك ما هو أدل على حالة الاتحاد المنقسمة ووضع الاستقطاب السياسي الحاد في وسط المجتمع السياسي الأمريكي مثل هذه الحالة التي شهدها ملايين من الأمريكيين والعالم في خطاب الاتحاد كتلك التي شهدناها الأسبوع الماضي.

وما كان من تمزيق خطاب الاتحاد التي قامت به بيلوسي إلا تعبير صادق عن تمزّق الحالة السياسية في الولايات المتحدة. وتبع هذا الاستقطاب تبرئة ساحة الرئيس ترامب من كل التهم الموجه له من قبل مجلس الشيوخ في اليوم التالي لخطاب الاتحاد على أسس حزبية بحتة. وقد شكا الديمقراطيون من سوء تصرف الجمهوريين في إدارة المحاكمة دون القبول بإحضار شهود في القضية.

وقد توشحت أعضاء الكونغرس من النساء الديمقراطيات بالأبيض بما فيها رئيسة مجلس النواب كتعبير عن مناصرتهم لحقوق المرأة في التصويت. وكان المنادون بحقوق التصويت للمرأة في بداية القرن العشرين يلبسون الأبيض الذي تحقق في 1920 بعد التعديل الدستوري التاسع عشر. وقد انفردت الديمقراطيات بلبس الأبيض في تعبير عن هذا التضامن وتوجيه رسالة للرئيس الذي تعتبره النساء معادياً لحقوقهن.

ولا يكترث الرئيس ترامب بكل ما يقوم به خصومه الديمقراطيون، حيث إنه يوجه خطابه لقاعدته الشعبية والتي ستحسم الانتخابات الرئاسية المقبلة لصالحه. ولا يعول الرئيس على أن هناك بعضاً من الديمقراطيين قد ينتقلوا إلى صفه؛ فهو على قناعة تامة بأن لا طائلة من إقناع هؤلاء بأحقيته للرئاسة. بل إن الرئيس على قناعة تامة بأن الديمقراطيين يسعون حثيثاً لإلغاء نتائج انتخابات 2016 والتي فاز فيها.

وستشهد سنة 2020 اشتداد حدة الاستقطاب في الولايات المتحدة بسبب أنها سنة انتخابية للرئاسة ومجلس النواب وثلث من مجلس الشيوخ. وبعد تبرئة ساحة الرئيس الأمريكي من تهمتي عرقلة تحقيقات الكونغرس واستغلال النفوذ، فإن هناك احتمالاً لاستنفار كبير من قبل أنصار الرئيس والتي قد يكون لها نتيجة إيجابية في صالح ترامب.

ومما قد يعزز من حظوظ ترامب في انتخابات الرئاسة المقبلة انقسام الديمقراطيين فيما بينهم وغياب مرشح ديمقراطي قوي يستطيع مواجهة ترامب في نوفمبر 2020. ولكن المدة الفاصلة عن الانتخابات تصل إلى تسعة أشهر، وهناك احتمال لحدوث تغيرات كثيرة. ستُبْدي لكَ الأيامُ ما كنتَ جاهلاً * ويأتيكَ بالأخبارِ من لم تزوِّد.

Email