أحذية «نايكي» التكنولوجية!

ت + ت - الحجم الطبيعي

هذه ليست مزحة تكنولوجية، أو هي نوع من العجب الجديد الذي تأتي به التطورات التكنولوجية في العالم، هي في الحقيقة مأزق للجماعة الأولمبية ربما يلفت النظر إلى كثير من المآزق التالية للإنسانية.

القصة بدأت عندما بدأت مبيعات شركة الملابس الرياضية في التراجع لصالح شركات أخرى مثل «أديداس» وغيرها من الشركات البازغة.

وفي العادة فإن الشركة تتغلب على تراجع مبيعاتها إما بمزيد من الإعلانات وسياسات التسويق ورفع درجة جودة المنتج؛ أو وذلك ربما كان الحل الأمثل هو أن تحدث تطوراً تكنولوجياً يحسم معركة المنافسة كلها.

وكان ذلك هو ما حدث فعلاً عندما تمكنت الشركة من اختراع حذاء يعطي المستخدم من اللاعبين قدرة وسرعة إضافية. الحذاء المصنّع من مواد جديدة فيها من اللدائن ما يدفع إلى الأمام.

وكأنه يزود المستخدم بقوة دفع إضافية، كما لو كان يتعاطى منشطات تضيف مسافات جديدة خلال الفترة الزمنية نفسها.

ولكن هناك يكون المأزق تحديداً، فالمنشطات مرفوضة عالمياً وهناك وسائل لاكتشافها ومعاقبة من يستخدمها، وفي العادة طرد من يوصي بها. أما الحذاء فهو أحد أدوات المنافسة.

ولكن كيف تكون المنافسة عادلة إذا كان أحد أطرافها يمتلك فائدة إضافية لا تعبر عن عزيمة أو إصرار أو موهبة أو تدريب وإنما عن ارتداء نوع جديد من الأحذية.

كيف يمكن إجراء السباقات الأولمبية المختلفة في الأولمبياد المقبل؟ وحتى وقت كتابة هذه السطور لم تستطع اللجنة الأولمبية الدولية أن تتوصل إلى حل.

ولكن شركة «نايكي» حققت مرادها في اختراع جديد سوف يعشقه من يريدون القفز أو الجري بسرعة بغض النظر عن الوسيلة في كل الأحوال.

ولكن حذاء «نايكي» ليس المأزق التكنولوجي الوحيد الذي قابله العالم، ففي الأول والآخر فإننا نتحدث عن أمور سلمية. ولكن ماذا عن الحرب ومآزقها التاريخية.

كتب PW Singer في صحيفة الفاينانشيال تايمز في ٢٤ يناير المنصرم: من درسدن إلى الطائرة من دون طيار:

منذ خمسة وسبعين عاماً، بدأ التخطيط لما قد يصبح إحدى اللحظات الحاسمة في تاريخ الحرب: تدمير مدينة درسدن الألمانية.

ويمضي الكاتب في القول إن سلاح الجو الأمريكي تمكن خلال يومي ١٣ و١٤ فبراير ١٩٤٥ في عاصفة نارية استهلكت أكثر من ١٦٠٠ فدان من المدينة، وتدمير وإتلاف ٧٥ ألف منزل، و١١ كنيسة، وحديقة حيوانات المدينة.

القصة كلها وصفها كاتب آخر بأنها «مذبحة لا يمكن فهمها»، فقد كانت الحرب كلها في طريقها إلى النهاية.

ولكن القدرات التدميرية للأسلحة الجوية المختلفة سرعان ما قادت إلى تكنولوجيا جديدة جرى استخدامها بعد شهور في اليابان، عندما أمكن لقنبلة نووية واحدة أن تحقق الحجم نفسه من المتفجرات التي جرى استخدامها في درسدن، وبدرجة أكثر فظاعة من التدمير.

اليوم فإن الهجمات السيبرانية يمكنها أن تحقق نتائج مماثلة إذا ما تم استخدامها بصورة أكثر دقة لتدمير شبكات النقل والطاقة الكهربائية، وهذه القدرة لا تملكها دول بالضرورة، وإنما أفراد ضلت عقولهم. الأمر نفسه ينطبق على الطائرات المسيّرة التي يمكن لإرهابيين امتلاكها، وربما تزويدها بأسلحة التدمير الشامل.

الإنسان من جانب لا يستطيع إيقاف التطور التكنولوجي، ومن جانب آخر فإنه لا يستطيع إيقاف طموحاته ومطامعه، ومن جانب ثالث فإن هذا وذاك يشكل مكوناً أساسياً من عالم اليوم .

والذي كان ممكناً أن يؤدي إلى نوع من الانضباط من خلال«توازن الرعب» أو منع انتشار الأسلحة النووية أو تقييد استخدام الأسلحة الكيماوية.

القضية باتت متي ينفلت الوضع؟ الثابت حتى الآن أن الشركات الكبرى في العالم والتي تتجاوز قيمتها تريليون دولار مثل «آبل» و«أمازون» و«مايكروسوفت» و«جوجل» كلها لها طبيعة سيبرانية.

وعلى الطريق فإن شركة «فيسبوك» التي تبلغ قيمتها الحالية ٦٢٧ مليار دولار تسير بسرعة الصاروخ إلى نادي التريليون قبل نهاية هذا العام.

والحقيقة أن ما تعمل به هذه الشركة ليس ما كان شائعاً عنها وهو زيادة التواصل والتفاهم بين الناس وإنما إشعال حرائق النزاعات والصراعات والكراهية والتعصب. الأمر في النهاية يحول المأزق إلى محنة أخلاقية ووجودية.

تاريخياً لم يكن ممكناً وقف مسيرة التنافس والتطور التكنولوجي، ومأزق شركة نايكي واللجنة الأولمبية ربما يمكن إيجاد حل له، ولكن هل من حل لما هو أخطر!

* كاتب ومحلل سياسي

 

Email