إعادة اختراع «جون بولتون»

ت + ت - الحجم الطبيعي

من مفارقات مسرحية عزل ترامب هو ما يمكن أن نطلق عليه «إعادة اختراع» جون بولتون، مستشار ترامب السابق للأمن القومي.

وهو ما لا يقتصر على كونه قد صار مؤخراً النجم الأبرز في قضية العزل والذي لم تكف كافة الأطراف على ذكر اسمه، وإنما امتد ليشمل تبادل مقاعد خصومه وحلفائه على نحو مدهش.

وجون بولتون صاحب تاريخ طويل ارتبط بالسياسة الخارجية الأمريكية. فهو من عتاة تيار المحافظين الجدد، الذي يؤمن بالقوة العسكرية كأداة رئيسية من أدوات السياسة الخارجية الأمريكية، لا الملجأ الأخير.

ويرى هذا التيار أن الحفاظ على تفوق الولايات المتحدة وتفردها هدف ينبغي تحقيقه بأي ثمن.

وهو يدعم الأحادية في صنع السياسة الخارجية وتغيير النظم بالقوة، ولا يثق في المنظمات والمؤسسات الدولية باعتبارها تفرض قيوداً غير مقبولة على الولايات المتحدة.

وقد شهد هذا التيار صعوداً مدوياً في عهد بوش الابن وكان مسؤولاً عن عسكرة السياسة الخارجية الأمريكية بعد الحادي عشر من سبتمبر، ثم غزو أفغانستان والعراق.

وجون بولتون من أكثر رموز ذلك التيار تشدداً، وكان عمله بوزارة الخارجية وقتها مثيراً لجدل واسع استعدى الكونجرس الجمهوري ضده.

ولذلك لاقى اختيار بوش له كسفير للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة رفضاً واضحاً بمجلس الشيوخ، حتى أن بوش اختار حيلة قانونية، فعينه خلال عطلة المجلس.

وكان اختيار بولتون لذلك المنصب تحديداً مثيراً لغضب رموز الحزبين لأن الرجل كانت له كتابات شديدة السخرية من الأمم المتحدة قبل تعيينه ليمثل بلاده فيها.

وبالمثل، كان تعيين ترامب له كمستشار للأمن القومي بمثابة حيلة أخرى للالتفاف حول المؤسسة التشريعية، لأن ذلك المنصب هو الوحيد من بين المناصب المسؤولة عن السياسة الخارجية التي لا يخضع شاغلها لموافقة مجلس الشيوخ.

وبسبب مواقفه المعروفة، لم يحظ بولتون أبداً بدعم الديمقراطيين الذين طالما انتقدوه علناً منذ عهد بوش الابن. وتعيين بولتون للمناصب الرفيعة ظل مثيراً لقلق قطاع من الجمهوريين كونها تورط بلادهم في المزيد من الحروب الخارجية.

وقد تحول بولتون فجأة لنجم قضية عزل ترامب بعدما تغير موقفه. فحين كان مجلس النواب يناقش القضية وقبل التصويت عليها، كان بولتون قد ترك منصبه كمستشار للأمن القومي.

وتردد اسمه ضمن قائمة يسعى الأعضاء الديمقراطيون لاستدعائهم للشهادة. وقتها قال بولتون إنه ليس مستعداً للشهادة إلا إذا استدعي بأمر قضائي.

مما كان يعني ضرورة أن يرفع مجلس النواب الأمر للقضاء ثم ينتظر البت فيه، الأمر الذي كان متوقعاً أن يستغرق شهوراً، في حين كان المجلس يريد الانتهاء بسرعة من مهمته وتحويلها لمجلس الشيوخ.

لكن بعدما تم تحويل القضية لمجلس الشيوخ، غير بولتون موقفه، وأعلن أنه مستعد للشهادة أمام المجلس واستدعاه الأخير.

وقد تزامن ذلك الإعلان مع وصول نسخة من كتاب بولتون الذي يوشك على الصدور- لوسائل الإعلام التي نشرت بكثافة مقتطفات منه تؤكد تعليق ترامب للمساعدات العسكرية لأوكرانيا حتى تقوم الأخيرة بفتح تحقيق بخصوص جون بايدن ونجله. هنا، قامت الدنيا ولم تقعد. فاستدعاء مجلس الشيوخ للشهود يخضع أصلاً للتصويت.

ومن هنا، صارت القضية تتعلق بإقناع عدد محدود للغاية من الجمهوريين، بأهمية شهادة بولتون حتى يغيروا موقفهم عند التصويت.

أما البيت الأبيض، فأعلن أنه قد يستخدم صلاحياته لمنع بولتون من الشهادة تحت شعار حماية أسرار الأمن القومي، فضلاً عن السعي لمنع كتابه من الصدور للسبب نفسه. وهو ما حول بولتون فجأة لنجم بدا وكأنه قد يغير مجرى قضية العزل، وبالتالي مجرى التاريخ الأمريكي.

لكن المفارقة الأهم على الإطلاق هي ذلك التبدل الكامل لمواقع حلفاء بولتون وخصومه. فقد تحول بولتون فجأة لبطل لدى الديمقراطيين الذين لم يثقوا يوماً في مصداقيته، بينما هاجمه الجمهوريون بشراسة.

ورغم أن قضية العزل ستنتهي بتبرئة ترامب، إلا أن هوية جون بولتون قد تغيرت ولن ترجع لسابق عهدها، وسيعود، على الأرجح، للسياسة وربما مع إدارات ديمقراطية مستقبلاً.

* كاتبة مصرية

 

Email