دافوس ودبي ووثيقة الخمسين

ت + ت - الحجم الطبيعي

على الرغم من أن منتدى دافوس قد خصص لمناقشة القضايا الاقتصادية الكبرى التي تشغل العالم وكان محطاً لرحال كبار الساسة والاقتصاديين، إلا أن المراهقة السويدية غريتا ثونبرغ المدافعة عن البيئة والتي تسعى عبر جهودها البسيطة لإنقاذ الأرض، قد خطفت الأضواء من الزعماء والقادة ووضعت الرئيس الأمريكي في حرج عندما تم سؤاله عنها.

لقد كان لصرختها البيئية المدوية أثر كبير في نزول الملايين من الطلبة إلى الشوارع في العديد من مدن العالم من أجل التصدي لظاهرة تغير المناخ. لقد أسماها الرئيس الأمريكي وهي وأتباعها من المناصرين للبيئة «هؤلاء المتشائمين» الذين يريدون تغيير العالم.

لقد كان أنصار البيئة يتظاهرون في دافوس مطالبين كبار الساسة بالأخذ في الاعتبار المتغيرات المناخية حين الحديث عن المشاريع الكبرى. فالتغيرات البيئية الضخمة التي حدثت وحرائق استراليا الضخمة الملتهبة وقبلها حرائق السويد وكاليفورنيا وبقاع أخرى من العالم، جعلت من التغيرات المناخية سؤال الساعة حيث تم توجيهه في دافوس إلى رؤساء الدول وصناع القرار.

فلم يخل مؤتمر صحافي عن سؤال موجّه لصناع القرار عن المتغيرات البيئية وما يمكن أن تفعله الدول لحماية البيئة والحد من الهدر في الموارد الطبيعية وكيف يمكن حماية البيئة والتخفيف من الأضرار الحاصلة.

وعلى الرغم من أن للدول الكبرى الصناعية دوراً كبيراً في تلك الكوارث البيئية إلا أن الدول الصغيرة أيضاً تستطيع أن تقوم بدور في حماية البيئة والحد من الهدر من الموارد البيئية.

دبي واقتصادها المتطور ومشاريعها المبتكرة كانت حاضرة في دافوس، حيث تم الإعلان عن الجواز اللوجستي العالمي وهو الجواز الذي سيسمح بمرور التجارة دون عوائق، وسيمنح نوعاً من الولاء للشركات التجارية التي سوف تستفيد من موانئ دبي ومطاراتها ومناطقها الحرة.

وتصدرت دبي المشهد في دافوس بعقد جلسة حوارية تناولت موضوع طريق دبي للحرير وهو الطريق الذي أعلن عنه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في وثيقة الخمسين. ويهدف هذا الطريق إلى إعادة رسم خارطة التجارة العالمية وتوزيعها التوزيع العادل الأمر الذي يضمن للجميع حصصاً متكافئة.

استعرضت الجلسة كذلك أهمية موقع الدولة الذي يربط بين العديد من الأسواق العالمية والناشئة وتستحوذ على حوالي 60% من الناتج العالمي. وعلى الرغم من أن الدول الصناعية الكبرى تتحمل العبء الأكبر عما لحق بالبيئة من تلوث وهدر في الموارد الطبيعية إلا أن الدول الصغرى تحاول محاولة جادة للحد من البصمة الكربونية.

دبي الصغيرة بحجمها والكبيرة باقتصادها قامت بمحاولة جادة لحماية الموارد الطبيعية من خلال المبادرات المبتكرة والصديقة للبيئة. فقد وضعت اشتراطات جديدة في بناء المنازل وفي حماية البيئة الفطرية والمحميات الطبيعية.

كما أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في وثيقة الخمسين أن هدف الإمارة القريب هو الحد من الانبعاثات الكربونية والعمل نحو توجيه 10% من منازل المواطنين لكي تنتج الطاقة والغذاء. فمما لا شك فيه أن حماية البيئة أصبحت هدفاً رئيساً للكثير من المدافعين عن الأرض والذين يتوقون إلى تقليل الانبعاثات الكربونية وإلى خلق مناخ صحي للأجيال القادمة.

وعلى الرغم من أن هذا الهدف قد يراه البعض صعب التحقيق إلا أن العمل جار نحو خلق مناخ يستطيع فيه المنزل الإماراتي الاكتفاء بالطاقة عن طريق الألواح الشمسية. لقد استطاعت الإمارات تقديم أنموذج جميل للتنمية الإنسانية المتوازنة وخلق أنموذج يمكن للعالم تقليده.

إن دولة الإمارات تضرب للعالم أجمع أنموذجاً جميلاً قائماً ليس فقط على القيم الحيوية والأخلاقية كالتسامح والعطاء والتعايش السلمي التي تسهم في بناء مجتمعات إنسانية فاضلة متعاونة، بل إلى تبني أفضل الممارسات الإدارية والبيئية التي تقود إلى حماية العالم ككل من كل ما يؤثر على موارده الطبيعية وعلى العيش المشترك.

إن دبي خصوصاً ودولة الإمارات عموماً تشعر بأن اقتصادها جزء لا يتجزأ من الاقتصاد العالمي وحركته المرنة حول العالم، وبالتالي تعمل على التعاون مع غيرها من الدول لضمان التوزيع العادل للحصص الاقتصادية. ولضمان المسؤولية الاقتصادية فإن هناك مسؤولية أخلاقية تتمثل في حماية هذا العالم لضمان مستقبل الأجيال القادمة.

وبالتالي فإن مسؤولية الدول مشتركة في النمو الاقتصادي كما هي مسؤولية مشتركة في حماية البيئة من أجل المستقبل. ولهذا فإن الإمارات لا تدخر جهداً في سبيل حماية البيئة وفي حماية القيم الإنسانية والأخلاقية التي هي أساس بقاء المجتمعات الإنسانية وحمايتها من الانهيار.

 

 

Email