ما الذي حدث لقوى الإنتاج؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

من درسوا الماركسية لابد وأنهم عرفوا أن القوى المحركة للتاريخ ليست صراع الطبقات، فهذه نتيجة، وإنما تلك الأدوات والقوى والمحركات التي تقود إلى التصنيف الاجتماعي ما بين طبقات.

كان ذلك هو الحال مع «الثورة الزراعية» التي قسمت ما بين الفلاحين والملاك، والأخرى «الصناعية» التي شقت المجتمع بين الرأسماليين والعمال.

كل قسمة من هذه التقسيمات كان لها التفرعات التي خرجت منها، فلا بقيت الطبقة العاملة على حالها بعد أن بات العامل جزءاً من طبقة وسطى مستورة.

ولا كانت الطبقة الرأسمالية الصناعية هي ذاتها التي باتت مجتمعاً مالياً عالمياً في يده الكثير من العملات ولكنه لا يعرف منتجاً واحداً.

قوى الإنتاج التي فعلت ذلك تطورت بشكل جذري من خلال ثورتين لم يحدثا خلال ألفيات أو قرون.

وإنما خلال عقود قليلة جاءت الثورة «المعلوماتية» الرقمية خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين، ومع العقدين اللذين ذهبا من القرن الواحد والعشرين امتزجت معها ثورة أخرى بيولوجية، ومع كل ثورة أعيد تشكيل المجتمعات من جديد ليس في صورة طبقات اجتماعية متصارعة.

وإنما في صورة طبقة عليا كبيرة، ولديها توابع ومتابعين وجماهير ليست في مجتمع واحد وإنما عابرة للمجتمعات.

وفي يوم من الأيام كان في العالم ملوك لصناعات الغزل والنسيج، ثم لصناعات الحديد والصلب التي خرجت منها السفن والسيارات، ثم للصناعات الكيماوية وتلك المنتجة للطاقة الأحفورية.

وقبل خمسة عقود من الآن فإن أية قائمة للخمس شركات الأولى في العالم كان لابد لها من وجود «إيكسون موبيل» و«جنرال موتورز» و«شل» و«تويوتا» أو ما أشبه من شركات.

كل هذه الشركات لا تزال موجودة، ولكنها تراجعت من حيث القيمة، ومن المقدمة، وقريباً من حيث التأثير سواء في السوق العالمية أو في التركيبة الاجتماعية والسياسية للدول.

وبالفعل لم تعد شركة «جنرال موتورز» هي المعبرة عن الولايات المتحدة الأمريكية كما كان القول شائعاً قبل عقود خمسة.

الآن فإن الشركات الأولى بات لها طبيعة مختلفة تماماً، ومنذ عام تقريباً عبرت القيمة السوقية لشركة «آبل» التريليون دولار.

وخلال عام لحق بها شركات «أمازون» و«ميكروسوفت» وقبل أيام لحقت بثلاثتهم شركة «ألفابت» التي تملكها شركة «جوجل».

الشركات المرشحة للحاق بهذا الركب كلها لا تعتمد مثلها على مواد أولية من حديد أو ألومنيوم أو قطن وإنما تعتمد على تحويل الطاقة إلى أرقام وحركة؛ الأرقام للمعلومات وتصنيفها حتى تصير معرفة، والحركة للانتقال والتواصل حتى يكون هناك لقاء مع أشخاص أو ظواهر.

وليس صدفة أن هذه الشركات مثل أمازون أو «تيسلا» لم تعد تكتفي بالكرة الأرضية، فالأولى بدأت السعي لخلق محطة فضائية على سطح القمر، والثانية بدأت في إنشاء سفن فضاء للسياحة خارج الأرض بين الكواكب.

وما بين الأرض والسماء فإن هناك الكثير من عمليات البحث والتطوير وإنتاج منتجات سوف تجعل البشرية أفضل حالاً؛ وربما كان باكورتها هي إنتاج السيارات الكهربائية بدون سائق.

شركة فولكس واجن الألمانية قامت مؤخراً بشراء حصة 20 ٪ في شركة «جوشوان هاي تيك» المحدودة لتصنيع بطاريات السيارات الكهربائية في الصين .

حيث تعمل الشركة الألمانية على تسريع دفعها الكهربائي إلى أكبر سوق للسيارات في العالم.

وستشكل الصفقة أول ملكية مباشرة لفولكس واجن في شركة صينية لإنتاج البطاريات وتأتي في الوقت الذي تسعى فيه شركة صناعة السيارات التي مقرها «فولفسبورج» لتحقيق هدف بيع 1.5 مليون سيارة تعمل بالطاقة الجديدة سنوياً في الصين بحلول عام 2025، بما في ذلك السيارات الهجينة التي تعمل بالكهرباء.

المرشح الديمقراطي للرئاسة الأمريكية مايكل بلومبيرج، والملياردير الإعلامي، كشف عن خطة لخفض انبعاثات الغاز المسببة للاحتباس الحراري من وسائل النقل عن طريق جعل المركبات الكهربائية في متناول العائلات منخفضة الدخل وتحسين الوصول إلى وسائل النقل العام مثل الحافلات والشاحنات والسكك الحديدية؛ ويحدث ذلك بحلول عام ٢٠٣٥.

هل وسائل وقوى الإنتاج الجديدة تدخل الجميع فقراء وأغنياء بغض النظر عن التقسيمات الطبقية والاجتماعية إلى ذات العالم النظيف والباعث على الحركة؛ بكلام آخر هل قوى الإنتاج الجديدة سوف تقيم عالماً لا تعد التقسيمات فيه غير مهمة لأنها غير صراعية في الأساس. باي باي كارل ماركس!

كاتب ومحلل سياسي*

Email