فيروس «كورونا الجديد» ومخاطر انتشار الأوبئة

ت + ت - الحجم الطبيعي

اجتاحت الصين خاصة، والعالم ككل، حالة من الذعر في الأسابيع القليلة الماضية بعد الانتشار السريع والواسع لفيروس «كورونا الجديد»، الذي أودى بحياة العشرات وإصابة الآلاف داخل الصين وخارجها.

ووصل إلى العديد من دول العالم الأخرى، وسط مخاوف من تحوله إلى وباء عالمي غير مسيطر عليه، ولاسيما في ظل عدم وضوح خصائص هذا الفيروس وعدم وجود الأدوية المناسبة له حتى الآن.

تبعات انتشار الفيروس الغامض تجاوزت حالة الذعر بين الناس والخسائر البشرية إلى العديد من الجوانب الاقتصادية والسياسية الأخرى، التي تكشف مدى خطورة انتشار مثل هذه الفيروسات والأوبئة على الدول والمجتمعات المختلفة.

وعلى العالم كله، في ظل ما يشهده من انفتاح وتواصل وثيق. فمن ناحية، تعرض قطاع السياحة الصيني لما يشبه الصدمة مع انتشار الذعر بين البشر في أرجاء العالم المختلفة من خطر الإصابة بالفيروس وتجنبهم زيارة الصين في المرحلة الحالية.

كما تأثرت حركة السياحة العالمية مع القيود المفروضة على حركة دخول السياح والزائرين لمختلف دول العالم للتأكد من عدم انتقال الفيروس، وتردد السياح أنفسهم في الحركة والسفر حتى لا يتعرضوا للإصابة.

ومن ناحية ثانية، سيكون لهذا الفيروس إذا استمر لأشهر قليلة تداعيات اقتصادية ضخمة على الصين والعالم كله بالنظر إلى مكانة الصين كأكبر مصدّر في العالم، وهذا بدوره سينعكس بالضرورة على معدلات النمو الاقتصادي العالمي ككل.

وقد رأينا كيف أدى الذعر من الفيروس إلى تراجع أسعار النفط العالمية نتيجة المخاوف من تراجع النمو الاقتصادي الصيني ومن ثم الطلب على النفط، على أساس أن الصين تعد أحد أكبر مستوردي النفط في العالم.

وتشير السوابق إلى حجم الخسائر الكبيرة التي قد تحدث إذا استمر الفيروس لبعض الوقت، ففي العام 2009 تكبد الاقتصاد العالمي خسائر قدرت بنحو 55 مليار دولار بسبب انتشار فيروس «H1N1».

وفي العام 2003 خسرت الصين نحو 25% من ناتج قطاعها السياحي بسبب انتشار وباء «سارس». وعلى المستوى السياسي يجادل البعض بأن مصداقية الحكومة الصينية لدى شعبها ستكون على المحك استناداً إلى إدارتها لهذه الأزمة الصحية الطارئة.

الجدل بشأن الفيروس الجديد وسبب انتشاره يطرح قضية أخرى مهمة للنقاش تتعلق بخطورة الحروب البيولوجية والمدى الذي يمكن أن تصل إليه.

فبصرف النظر عن نظريات المؤامرة التي طرحت في هذا السياق وتحدثت عن أن انتشار الفيروس تم بفعل فاعل بهدف عرقلة النمو الاقتصادي الصيني، أو بسبب رغبة شركات الأدوية العالمية في تحقيق مكاسب ضخمة غير مشروعة من خلال تعمد نشر مثل هذه الفيروسات.

وكذلك تلك التي تحدثت عن أن الفيروس الجديد تسرب من أحد المختبرات المخصصة لإنتاج أسلحة بيولوجية أو لمعالجة بعض مسببات الأمراض جينياً.

، تشير الكثير من الدراسات المتخصصة اليوم إلى أن العالم يمضي قدماً وبصورة خطيرة في تطوير أسلحة بيولوجية فتاكة قادرة على تدمير الدول والمجتمعات من الداخل بعيداً عن طبيعة الحروب التقليدية، وذلك من خلال التلاعب في جينات بعض الفيروسات وصفاتها الوراثية.

وهو أمر جد خطير، ولا أتصور أن أي دولة يمكن أن تقدم على استخدام مثل هذه الأسلحة، لأنها ستتأثر هي نفسها حتماً بهذه الفيروسات بسبب الانفتاح الذي يشهده عالم اليوم.

ولكنها قضية يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار عند المعنيين بمناقشة حروب المستقبل وبدراسة كيفية كسبها أو على الأقل تقليل مخاطرها.
إن البشرية في حاجة بالتأكيد إلى مزيد من التضامن والتعاون في مواجهة التهديدات التي تواجهنا كبشر.

ومن ضمنها مخاطر انتشار الأوبئة الفيروسية، التي لن يسلم أحد من مخاطرها إذا تفشت في منطقة من المناطق.

والثورة المعرفية التي يشهدها عالمنا اليوم في المجالات الطبية والتكنولوجية ستعزز بالتأكيد من التفاؤل بمستقبلنا البشري إذا تم توجيهها فقط إلى ابتكار علاجات جديدة للأمراض والأوبئة التي تهدد صحة البشر بعيداً عن أية اعتبارات أخرى.

Email