التمييز على أساس شعر الرأس

ت + ت - الحجم الطبيعي

مدهش وملهم، في آن معاً، ذلك الفيديو القصير الذي تحدثت فيه نائبة الكونغرس السوداء أيانا بريسلي عن شعرها ومرضها، وربطت فيه العام بالخاص بشكل بديع.

وأعادت فيه تعريف السياسة. فأيانا بريسلي عضوة بمجلس النواب الأمريكي وواحدة من نائبات تقدميات أربع انتخبن لأول مرة عام 2018، وأحدث وجودهن بالمجلس ضجة لم تنته.

فقد أطلق عليهن «الفرقة» في إشارة لمجيئهن للمجلس بأجندة تقدمية ولجرأتهن في الدفاع عن مواقفهن السياسية.

فإلى جانب بريسلي في «الفرقة» تأتي أسماء صارت ذات شهرة عالمية، هي الكزاندرا أوكازيو كورتيز ذات الأصول اللاتينية، وإلهان عمر ذات الأصول الصومالية، ورشيدة طليب ذات الأصول الفلسطينية.

و«الفرقة» إذاً تتكون من نساء جميعهن من غير البيض. وقد وصفت إيانا بريسلي «الفرقة» بأنها ليست فقط تسعى للتخلص من عبء سياسات أضرت بالفقراء وغير البيض بالولايات المتحدة وإنما أن «أي شخص مؤمن ببناء عالم يسوده العدل والمساواة هو جزء من «الفرقة»».

وأيانا بريسلي من النساء الفخورات بأصولهن الأفريقية. وهي اختارت عمداً منذ اليوم الأول لها بالكونغرس الاحتفاظ بتصفيف شعرها في شكل الضفائر الأفريقية المعروفة. وتلك ليست مسألة شخصية إذا كان الأمر يتعلق بالنساء السود في الولايات المتحدة، وإنما مسألة سياسية بامتياز.

فالعنصرية في الولايات المتحدة تمتد حتى للشعر وطريقة تصفيفه، وتظهر في شكلها الصارخ فيما يتعلق بالسود تحديداً، وإن لم تقتصر عليهم تاريخياً. ففي أوائل القرن الماضي مثلاً، وحين صدر قانون الهجرة الشهير الذي فرض حظراً على الآسيويين وميّز بشكل خاص ضد الصينيين، تم حظر «ذيل الحصان» لأنه كان يميز تصفيف الرجال الصينيين لشعرهم في ذلك الوقت.

لكن الأكثر قسوة في التمييز على أساس الشعر كان موجهاً دوماً للسود أكثر من أي جماعة أخرى، وخصوصاً ضد النساء. فالتمييز ضدهن على أساس الشعر يبرز بوضوح حين التقدم للوظائف.

والحصول عليها، حيث توصف طرق تصفيفه بأنه «غير مهني، وغير مريح لغيرهن» ممن يعملون معهن، بل توجد وقائع ترصد طرد فتيات صغيرات من الصف الدراسي.

حيث اعتبر شكل شعرهن الطبيعي «غير نظيف ولا جذاب»، أو «خروجاً على النظام المدرسي».

لذلك كان إصرار بريسلي على الدخول لقاعات الكونغرس بإحدى طرق التصفيف المعتادة لدى السود بمثابة تحدٍ لتلك الممارسات، مما مثّل نقلة ملهمة بالنسبة لفتيات صغيرات يبحثن عن قدوة.

وظهرت قمصان مطبوع عليها صورة لبريسلي ومكتوب تحتها «نائبتي في المجلس ذات ضفائر»، مما يشعر الفتيات الصغيرات بالفخر بشعرهن وتصفيفه، في مجتمع يصر على فرض معايير «جمال» بعينها تجعل كل ما هو «جميل» يرتبط بالبيض لا غيرهم.

والاعتراف بذلك الشكل من التمييز كان وراء صدور قوانين في ولايات عدة أخيراً تحظر التمييز ضد النساء السود بسبب شعرهن.

وكانت بريسلي نفسها قد دعمت مشروع قانون بالمعنى ذاته داخل الكونغرس نفسه. لكن أيانا بريسلي تعرضت أخيراً لأحدى أمراض جهاز المناعة التي تؤدي للصلع، ففقدت شعرها كله.

فكانت تلك تجربة جديدة تخوضها على المستوى الشخصي، أعادت، خلالها، التعرف على ذاتها والقبول بشكلها الجديد كجزء من مكافحتها للمرض. ثم قررت الإعلان عن مرضها.

وكان أول ما قالته بريسلي في الفيديو الذي أعدته خصيصاً لذلك الغرض هو أنها ستحكي قصتها مع شعرها والتي وصفتها بأنها «قصة شخصية مثلما هي سياسية».

ثم حكت في البداية قصتها مع الضفائر ثم إصرارها عليها حتى بعد أن صارت نائبة رغم أنها كانت تدرك أن البعض سيعتبرها «رسالة سياسية» جدلية تعبر عن «التشدد والغضب» عند السود.

ثم راحت بريسلي تشرح بشكل مؤثر رحلتها مع المرض ورغبتها في البداية في الاختفاء عن الأنظار.

لكن لعل الأكثر إلهاماً في رسالتها هو قولها إنها شعرت بأنها «مدينة للفتيات الصغيرات بتفسير»، وقالت لهن «إنها صارت «في سلام» مع مرضها».

ثم قالت لاحقاً لمجلة «فوربس» عن القصة برمتها «لقد أردت أن أوجد مكاناً لمن لديهن منا علاقة معقدة مع شعرنا».

كاتبة مصرية*
 

Email