مرونة ساعات العمل

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما زال علماء الإدارة وحلفاؤهم من التخصصات القريبة يحاولون تغيير بيئات الأعمال نحو الأفضل، منذ نشوء الثورة الصناعية.

إحدى هذه المحاولات ما أقدمت عليه مؤخراً شركة ترست مانجمت في نيوزيلندا من تجربة دفع الموظفين للعمل لمدة أربعة أيام فقط خلال الأسبوع.

وكان الهدف محاولة زيادة تركيز الموظفين، لينجزوا أعمالهم بصورة أسرع وأكفأ على أن ينعموا بيوم راحة إضافي، أي ثلاثة أيام عطلة نهاية الأسبوع.

المفاجأة كانت أن الموظفين قد تمكنوا من إنجاز الكمية المطلوبة من العمل، حسبما أكدته الخبيرة الاقتصادية من جامعة أوكلاند، هيلين ديلاني، لمجلة العلوم الصادرة الشهر الجاري.

وهو أمر واقعي فكلما زاد الوقت المتاح ارتفعت معه احتمالية تراخي الموظفين، ولذلك نجد ذروة إنتاجية الموظف تظهر في آخر يوم قبيل إجازته.

ما جرى باختصار، هو دراسة استقصائية على الموظفين، كشفت عن شعورهم «بالراحة وتجدد النشاط لدى عودتهم إلى العمل، ما مكنهم من الحفاظ على مستوى أداء أعلى خلال فترة التجربة»، أصداء التجربة بلغت نقابات عمالية وحكومات.

خبير اقتصادي آخر هو نيكولاس بلوم من جامعة ستانفورد في كاليفورنيا أجرى تجربة في وكالة سفريات صينية (سي تريب Ctrip) يعمل بها 16 ألف موظف في مراكز الاتصال، قسموا إلى مجموعات بقيت إحداها تعمل بدوامها الكامل من منازلها لنحو تسعة أشهر، ثم تمكن العلماء من قياس الإنتاجية بحساب عدد الحجوزات التي اكتملت، فضلاً عن عدد المكالمات التي أجابوا عنها.

النتيجة كانت مفاجأة أيضاً، حيث ارتفعت الإنتاجية بنسبة 13 في المائة بل وارتفعت إلى مستوى إضافي بلغ 9 في المائة، عندما اختار الموظفون بأنفسهم الأماكن التي يحبذون تلقي المكالمات منها.

في الصحافة مثلاً، طوال ما يربو على العشرين عاماً، التي قضيتها فيها كوني متعاوناً، رأيت كيف كانت الإنتاجية للموظفين بدوام كلي مرتبطة بما يقدم الصحافي من مادة وليس بعدد بصمات حضوره.

ولسوء الحظ فإن مرونة ساعات العمل flex hours لا تنطبق بطبيعة الحال على جميع الوظائف مثل موظفي استقبال العملاء أو صرافي البنوك وما شابه، غير أن تطبيق دوام العمل الجزئي أو المرن لجزء معين من العمل هو أمر يمكن تطبيقه، فمن مزايا المرونة أنها قد تسهم في حل مشكلة المرور خصوصاً في أوقات الانصراف أو الحضور، بحيث لا تزاحم فئة من الموظفين الآخرين، حيث بوسعهم أن يأتوا متأخرين أو ينصرفوا باكراً، غير أن العلماء يحذرون من مغبة التراخي في مسألة المرونة لأنها قد تأتي بنتائج عكسية.

بصورة عامة، نستطيع القول: إن عالم الإدارة ومبادئه قد تغير بصورة جذرية، فقد تغيرت ساعات العمل من 12 ساعة إلى 8، وصرنا نتحدث عن مرونة، وارتفعت الامتيازات وتنوعت، وصارت بيئات العمل تتنافس في جذب الناس.

وانتقلت العدوى إلى بعض الجهات الحكومية التي تخولها اللوائح فعل ذلك. كثير من هذه الإسهامات الإدارية قد قيست علمياً بشكل أو بآخر لمعرفة مدى جدواها في عدد من البلدان. إحدى تلك الامتيازات «ساعات العمل المرنة»، التي تناسب بعض المهن، لكنها- في جميع الأحوال- سلاح ذو حدين.

Email