هل الأخلاق مهمة في العلاقات الدولية؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

وسط الأزمات الكثيرة التي يزخر بها الشرق الأوسط فإنه يكون مستعصياً الحديث عن «الأخلاق» في زمن بات الحديث عنها نوعاً من السذاجة أو عدم المعرفة بالأصول الحقيقية لعلاقات الدول.

وفي العلوم السياسية فإن هذا النوع من الحديث لم يعد مألوفاً حتى ولو كان الشوق له كبيراً لأن المدرسة الواقعية في التعامل مع تفاعلات الدول باتت مستقرة على توازنات القوى، والقدرة على التأثير، ولم يبق إلا بعض من العبارات البليغة عن «القانون الدولي».

وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية جرى ذلك الحديث والجدل بين المثالية والواقعية؛ ولكن الثانية كانت هي الأبقى في صراعات الدول التي انقلبت قبل مطلع القرن الواحد والعشرين إلى صراع الحضارات.

وبعد عقدين من هذا القرن فإن دماء كثيرة سالت على أساس من الهوية وحتى الفهم الخاص لكل ما هو أخلاقي ونزيه. سبب طرح هذا الموضوع الآن أن البروفيسور «جوزيف ناي» نشر كتاباً مؤخراً يتساءل عما إذا كانت «هل تساوي الأخلاق شيئاً؟ الرؤساء والسياسة الخارجية من روزفلت إلى ترامب».

وإلى حد كبير فإن الكتاب، وطرح الموضوع الخاص بالتساؤل حول الأخلاق، تعود إلى شخصية وتاريخ الكاتب الذي يعد أهم علماء السياسة الدولية المعاصرين؛ فهو أكثر أهمية بكثير من مجرد كونه أستاذاً متميزاً من أساتذة جامعة هارفارد.

فهو أيضا من أصحاب الخبرة الكبيرة في العمل الدبلوماسي والسياسي داخل أروقة وزارات الخارجية والدفاع والمخابرات المركزية. هذه الخبرة، مع القدرة الفكرية جعلته من المؤسسين لكثير من المفاهيم الجديدة. فهو من أسس للعلاقة بين مفهوم القوة والاعتماد المتبادل، والأولى لها علاقة وثيقة بالحرب، والثانية لها علاقة وثيقة بالتنمية والسلام.

وهو كذلك من أسس لمفهوم القوة الناعمة، باعتبارها واحدة من أهم أدوات السياسة الخارجية الأمريكية حيث لا تسيطر أمريكا على العالم بالقوة العسكرية وحدها، وإنما باللغة الإنجليزية، فضلاً عن الفنون السينمائية والموسيقية وتقاليد الطعام وغيرها.

والحقيقة أن ناي لم يترك موضوعاً من موضوعات السياسة الخارجية الأمريكية دون مراجعة، تبدأ بالأسلحة الذرية ولا تنتهي بالديمقراطية والحرب ضد الإرهاب والأمن السيبراني.

 

الكتاب نفسه يدور حول السؤال، ما هو الدور الذي تلعبه البوصلة الأخلاقية لدى الرؤساء الأمريكيين عند اتخاذ قرارات صعبة في السياسة الخارجية؟. وفي الكتاب يقترح جوزيف ناي فحص عملية صنع القرار الرئاسي الأمريكي من ثلاثة أبعاد أخلاقية: النوايا والوسائل والنتائج. فالمسألة ليست فقط أن تكون النوايا طيبة، وإنما لا بد أن يكون لدى الرئيس الوسائل المناسبة.

نقطة بداية ناي هي أن الرئيس ليس مقيداً بشكل كامل بهيكل صنع القرار كما هو مقرر دستورياً أو بعلاقات الرئاسة بالمؤسسات المختلفة، وإنما يوجد لديه خيارات بما فيها الخيار الذي يقضي بألا يفعل شيئاً. وهكذا جاء تقييم القدرات القيادية للرئيس منذ الحرب العالمية الثانية حتى الآن من زاوية المنهج الذي اتبعه الرئيس ومدى فاعليته.

ومن وجهة نظره أن الرئيس جورج بوش الابن كانت لديه نوايا طيبة أو هكذا كان الاعتقاد السائد لدى جماعة المحافظين الجدد لإقامة الديمقراطية في العراق، ولكن غياب الوسائل المناسبة نتيجة تدمير الدولة قادت أخلاقياً إلى نتائج بالغة السوء للدولة العراقية وللشعب الذي قاسى الكثير.

الرئيس جون كنيدي الذي يذكر دائماً في معرض المهارة الكبيرة في إدارة أزمة الصواريخ الكوبية 1962، فإن ناي يضيف لذلك الرؤية الأخلاقية وبعضاً من الحكمة والحصافة؛ ولكنه في الوقت نفسه يقدم لوماً أن بعضاً من أساليبه السابقة على الأزمة وفي أزمات سابقة مثل أزمة، خليج الخنازير، التي تخص كوبا، كانت سبباً في الدفع نحو المواجهة التي باتت لها طبيعة نووية.

ولا يكتفي (ناي) بالتعرض لسجل الرؤساء في اتخاذ القرارات الصعبة ومدى نفوذ الأخلاق لديهم، فإنه يرى الموضوع جديراً بالبحث عن الكيفية التي تجعل السلوك الأخلاقي ممكناً بشكل أكبر مما كان عليه الحال في الماضي.

ففي الوقت الذي يواجه فيه العالم تهديدات للمصالح العليا لدول كثيرة مثل التغير المناخي، واحتمالات الحرب النووية، والاضطراب الناجم عن الثورات التكنولوجية، فإن الأمر سوف يتطلب من دونالد ترامب أن يراجع الرؤساء القدامى والمعاصرين لكي يستطيع أن يتصرف بطريقة أكثر أخلاقية مع هذه التهديدات.

 

 

Email