نموذج التفكير الإداري العربي

ت + ت - الحجم الطبيعي

مازال علماء الإدارة في حيرة من أمرهم إزاء حقيقة وجود نموذج إداري عربي «متكامل» ينفردون فيه عن سائر الشعوب. الثابت في الأبحاث العلمية أن المديرين العرب يمارسون كغيرهم الوظائف الإدارية الرئيسية وهي التخطيط والتنظيم والقيادة والرقابة، غير أن أبحاثاً عديدة أظهرت أن الممارسات الإدارية العربية قد تأثرت بعناصر عديدة جعلها تتميز عن غيرها من التجارب الإدارية الغربية والشرقية.

من العناصر التي أثّرت على أبعاد التفكير في الإدارة العربية عنصر القبلية والعادات الأسرية، ودور الإسلام، وتأثير الاستعمار والإمبراطورية العثمانية، والتأثير الغربي، وتدخّل الحكومات والقيود السياسية كل هذه العناصر التاريخية الخمسة ولدت أسلوب تفكير عربي منفرد عن غيرهم، وفق دراسة للباحث عباس علي (1990) بعنوان الإدارة في مجتمع تحولي: التجربة العربية.

وهو أمر طبيعي مثلما تأثر اليابانيون بالديانة البوذية وبرموزهم الوطنيين والدينيين كذلك الحال مع العرب.

 

والمتأمل لهذه الدراسة يلاحظ بالفعل معاناة بعض الدول العربية لفترة ليست بالقصيرة من مركزية ورثوها عن العثمانيين، فضلاً عن تأثير الغرب على ثقافتنا بانتشار المدارس الأجنبية والجامعات بعد حقبة الثمانينات بكثرة غير مسبوقة، وإرسال آلاف الطلبة وأساتذة الجامعة إلى البلدان الغربية لدراسة الإدارة فجلبوا لنا أفكاراً غربية.

كما أن هامش الحرية المحدود في مسألة إحداث تغيير جذري في المؤسسات العامة لأسباب سياسية أو اجتماعية أدى إلى معاناة النموذج الإداري في القطاع العام من صعوبة التغيير السريع الذي يجاري متطلبات العصر.

فضلاً عن البلدان التي تعاني من حمى الاستجوابات التي لا تبقي وزيراً على رأس عمله أكثر من عام ونصف، كما في بلدي الكويت، مثلاً، حيث ولد ذلك صعوبة في إحداث تغييرات إدارية جذرية ودفعت وزراء كثيرين إلى التراجع عن مشروعات خلاقة خشية إثارة حفيظة هذا النائب أو ذاك.

ليس هذا فحسب فقد تبين بالفعل أن العربي عموماً ولأسباب اجتماعية، بعضها قبلية، لديه استعداد كبير لأن «يقبل» أن «يوسد الأمر لغير أهله» أو بعبارة أخرى لديه «توقع» أو استعداد للقبول بألا يرى المدير المناسب في المكان المناسب! غير أن الأمم الغربية تنفر من هذا الأمر ولا تقبل به ولا تتوقع أن يقودها شخص غير كفء.

وبلغة الأرقام حصل العرب على درجة 90 في مقابل 35 لبريطانيا و40 لأمريكا في مؤشرpower distance أو «مسافة السلطة». وهو مؤشر قدمه كبير الباحثين هوفستد (في عشرات الأبحاث المتراكمة) قاس من خلال هذا المؤشر إلى أي مدى يقبل الناس بأن يقودهم أو يتبوأ أحد في مجتمعهم منصباً رفيعاً لا يستحقه.

ليس هذا فحسب، بل إن النزعة الذكورية ألقت بظلالها على العرب، فمازالت نسبة النساء لا تتجاوز 10في المائة من المناصب الإدارية وفق كتاب الإدارة لستيفن روبنز وزملائه. وهو ما يتسق مع نتائج العالم هوفستد الذي كشف لنا (علمياً) تسيد الرجال في مجتمعاتنا حينما وجد أن العرب يعيشون في مجتمعات ذكورية 60 إلى 45 درجة.

في حين أن النرويج والسويد كانتا أقل ذكورية بل وبصورة كبيرة بلغت 5 و8 درجات. وهذا يعني أن مجتمعاتنا الذكورية ترتفع فيها وتيرة الحزم والمنافسة الضارية والنفوذ والسلطة. في حين تميل المجتمعات التي تتمتع بـ«ثقافات أنثوية» إلى الاهتمام بالعلاقات ونوعية الحياة.

كل ما سبق هو بعض مما أذكره من عشرات الأبحاث الرصينة التي أظهرت أن القياديين والمديرين في العالم العربي قد تأثروا بعوامل عديدة شكلت نمط تفكيرهم.

ولذا فإنني أتفهم، وإن كنت لا أحبذ مطلقاً، نظام «الكوتا» أو الحصة النسائية الإجبارية في بعض المناصب القيادية أو المقاعد التشريعية التي تضعها الدول حتى لا ينفرد الرجال بالقرارات المصيرية بمعزل عن نسائهم الذين يشكلون نصف الكرة الأرضية.

كما أنه قد آن الآوان لبعض العرب في المناصب الإدارية أن يدركوا بأنهم يجب أن يتعايشوا مع مختلف الأديان والطوائف والطبقات الاجتماعية إذا كانوا يريدون بناء حضارة (أو مؤسسات) يشار إليها بالبنان. ولم تنبن حضارة قط على عرق واحد.

 

 

Email