لو أنبأنا العرافون

ت + ت - الحجم الطبيعي

على مسافة يومين من العام الميلادي الجديد، يقف الجميع مترقبين شكل الاحتفالات التي ستقام في بلاد العالم لتوديع العشرية الثانية من القرن الحادي والعشرين، استعداداً لاستقبال عشرية ثالثة من قرن مختلف، شهد العالم في مطلع عشريته الأولى حدثاً فريداً من نوعه، لا يقل أهمية عن الحربين العالميتين الأولى والثانية من حيث التأثير في مسارات الأحداث، وتغيير مصائر عدد من الشعوب، وإعادة رسم خارطة بعض الدول، وتغير وجه الكرة الأرضية، إذ لم يعد ما بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 مثل ما قبله، ولم تعد العقول حتى اليوم قادرة على استيعاب ما حدث في ذلك اليوم.

على مسافة يومين من عام 2020 يستعد محبو السهر لقضاء ليلة من ليالي العمر الذي يمضي من عام إلى عام بين طي صفحات قديمة وفتح صفحات جديدة، تصبح هي الأخرى قديماً يحتل مساحة من الذاكرة، تضيق وتتسع حسب مواقفنا من الأحداث التي تعبر حياتنا، أو التي نعبر من خلال بوابتها.

هذا ما يفعله محبو السهر العابرون من الماضي إلى المستقبل، أما أولئك الذين يحبون أن يرسموا لنا خطوط المستقبل من خلال توقعاتهم، أو تنبؤاتهم كما يحبون أن يطلقوا عليها، فقد سهروا قبل هذه الليلة ليالي كثيرة، راقبوا خلالها النجوم، وتقلبوا بين الأفلاك، وركبوا آلة الزمن الوهمية، ليبحثوا لنا عن غيب يعرفون أنهم أكثر الناس جهلاً به، ويقدموا لنا تنبؤات هم أعلم الناس أنها لا تخرج عن دائرة التوقعات، فبماذا تنبأ العرافون هذا العام، وهل كذب المنجمون وإن صدقوا؟

الغريب أن أكثر التنبؤات تناقلاً هي تلك التي تركها لنا عرافون غادروا دنيانا ولم يعودوا بيننا، ومع هذا يتداول الأحياء تنبؤاتهم وكأنها الأصدق من بين كل التنبؤات التي تصبح حديث الناس كلما اقتربت نهاية عام وبداية عام جديد.

ولعل أشهر هؤلاء على الإطلاق الفرنسي نوستراداموس المتوفى سنة 1566 ميلادية، فبماذا تنبأ نوستراداموس لعام 2020 قبل أكثر من 450 عاماً؟

توقع نوستراداموس أن يزخر عام 2020 بالكثير من التغييرات السياسية، فتشهد الولايات المتحدة الأمريكية تدهوراً حاداً في العلاقات الدبلوماسية مع باقي الدول الأوروبية والصين وروسيا، الأمر الذي ينتج عنه انخفاض حاد في قيمة الدولار الأمريكي، فيما يزداد حجم الإقبال على التعامل باليوان الصيني.

كما توقع ظهور منطقة حرب جديدة في الشرق الأوسط، تقوم على الصراعات المذهبية والدينية، مما سيودي بحياة الكثير من الأبرياء. وتحظى روسيا خلال عام 2020 بنفوذ ملحوظ يزيد من قوتها علي الساحة العالمية، وتدعمها العديد من الدول العربية والأوروبية.

أما العرافة البلغارية الضريرة فانغيليا بانديفا غوشتيروفا، التي اشتهرت بلقب بابا فانغا، والمتوفاة قبل 23 عاماً، فقد تنبأت بأن يسقط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 2020 فريسة لمرض غامض قد ينتهي به وهو مصاب بالصمم أو بورم في المخ، وأن يتعرض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمحاولة اغتيال من داخل الكريملين، وأن يشهد العام نفسه سقوط شهاب على روسيا.

بابا فانغا كانت قد تنبأت عام 1989 بأن الولايات المتحدة ستتعرض لهجوم من طائرين فولاذيين، وقالت آنذاك: «رعب.. رعب! سيسقط الأخوان الأمريكيان بعد تعرضهما لهجوم من طائرين فولاذيين.

وستعوي الذئاب في الأحراش، وتتدفق دماء الأبرياء». وقد تحققت نبوءة بابا فانغا بعد 12 عاماً في حادث برجي «مركز التجارة العالمي» الشهير بنيويورك. كما تنبأت أيضاً بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي «بريكست» الذي أوشك أن يصبح أمراً واقعاً.

تنبؤات نوستراداموس وبابا فانغا هذه التي تأتينا من العالم الآخر، تقابلها تنبؤات الأحياء التي لا تختلف كثيراً عن تنبؤات الأموات. فالإعلامية اللبنانية ماغي فرح، التي اشتهرت بتنبؤاتها، وصفت 2020 بالسنة المصيرية التي ستطبع العصر كله والسنوات الخمس والعشرين المقبلة.

وتحدثت ماغي فرح عن انهيار بعض الحكومات، بالإضافة إلى صراعات عالمية ترافقها انقلابات واحتجاجات، مشيرةً إلى أن سنة 2020 ستكون أكثر خطراً وعنفاً من سنة 2019.

أما العراف المصري علي العيس فقد تنبأ بأن دولاً سوف تتغير، وحكاماً وقادة سياسيين وعسكريين سيغيبون عن المشهد، وحدثاً كبيراً سيهز الوطن العربي كله. وكذلك فعل العراف الأسباني تامبارا، فلم يشذ عن زملائه العرافين العرب.

تنبؤات وتوقعات تنعكس عليها أحداث العشرية الثانية من الألفية الثالثة التي بدأت باحتجاجات غيرت وجه الشرق الأوسط كله تقريباً. لهذا يشكل عام 2020 نهاية عقد مهم من عقود التاريخ، ستكون له آثاره الكبرى على العقود المقبلة في المنطقة العربية والعالم كله.

ومثلما بدأ العقد بثورات واحتجاجات على حكومات وحكام العقود التي سبقته، نراه يكاد ينتهي بثورات واحتجاجات على البعض من الذين جاؤوا بعد تلك الثورات والاحتجاجات، أو الذين حملتهم رياح تلك الأحداث ووضعتهم على كراسي الحكم في دولهم، بدعم ومباركة من الدول التي قطفت ثمار الفوضى في بلدانهم. ما يهمنا هو أن التاريخ دروس وعبر، ومن لا يعتبر بدروس التاريخ يخسر الجغرافيا.

في هذا الموقف نستذكر شاعرة العراق الكبيرة لميعة عبارس عمارة، وهي تردد:

«لو أنباني العراف، أني سألاقيك بهذا التيه، لم أبكِ لشيء في الدنيا، وجمعت دموعي، كلّ الدمع، ليوم قد تهجرني فيه»

أما نحن فنقول:

لو أنبأنا العرافون، أنا سنضيع بهذا التيه، لجمعنا كل الدمع، ليوم قد نندم فيه.

 

 

Email