ماذا يريد الفلسطينيون؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

ليس شائعاً في الدول العربية عقد استطلاعات منتظمة للرأي العام إزاء القضايا المختلفة المحلية والخارجية، أو لمعرفة التقدير الخاص بالسياسات العامة.

وفي الدول الغربية المتقدمة فإن مراكز الاستطلاع هي من الظواهر المنتشرة التي يشتد عودها ويظهر تأثيرها إبان الانتخابات النيابية والرئاسية.

ولكن الواضح دائماً في هذه المجتمعات أن الاستطلاع لا يعني «التصويت» الذي يعبر فيه الفرد عن إرادته الحرة، وإنما هو قياس لنبض الشارع في لحظة بعينها قد تتغير مع زوالها الظروف والأحوال. ولا تعد وسائل التواصل الاجتماعي من أدوات قياس الرأي العام لأنها تعبر أكثر عن المشاعر وليس الآراء، وعن الغضب والإحباط.

وربما السرور والسعادة، وهي لحظية تخاطب شخصاً آخر أو جماعة أخرى. ومن بين الدول العربية التي برعت في هذا الأمر فلسطين التي تذخر بالعديد من مراكز الاستطلاع التي تقيس باستمرار الحالة الفلسطينية، ومزاجها العام سواء أكان ذلك في وقت الانتفاضة أم زمن السكون.

ومن بين هذه المراكز فإن المركز الفلسطيني للسياسات والبحوث المسحية في رام الله يعد من المراكز الحاصلة على الكثير من الاحترام في الساحات الفلسطينية والعربية والدولية.

ويعقد المركز استطلاعاً شاملاً للرأي العام الفلسطيني ربع سنوي، ومن ثم يشكل سجلاً كبيراً للحالة الفلسطينية على مدى السنوات الماضية. وقد صدر أخيراً في ١٧ ديسمبر الجاري الاستطلاع الرابع لهذا العام، وشمل.

كما هي العادة، ثمانية موضوعات: الانتخابات الفلسطينية الجديدة؛ والانتخابات الرئاسية؛ والموقف من القضايا المختلفة للواقع المحلي؛ وحالة المصالحة بين تنظيم الجهاد الإسلامي ومنظمة حماس؛ وعملية السلام؛.

والموقف من الانتفاضات العربية في لبنان والعراق والسودان والجزائر، والتدخل التركي في سوريا وزيارة فريق كرة القدم السعودي إلى الضفة الغربية؛ ثم السؤال المهم عما يتصوره الرأي العام لكي يكون أهم القضايا والأهداف والمشكلات التي تواجه الفلسطينيين.

وفي الحقيقة أنه من الصعب عرض كل نتائج الاستطلاع، ولكن بعضها لافت للنظر، فرغم ما يبدو من أهمية للانتخابات الفلسطينية التي تبدو المخرج الآن من حالة الجمود التي تعتري القضية الفلسطينية.

فإن الاستطلاع يشير إلى أن ٥٢٪ فقط من الجمهور يعتقدون أن هذه الانتخابات سوف تعقد بينما لا يتوقع ٣٧٪ لها أن تعقد. وعندما كان السؤال عن سبل الخروج من موقف الجمود الحالي فإن ٢٩٪ وجدوه في المفاوضات السياسية، و٣٩٪ كانت إجابتهم النضال المسلح، و١٤٪ طالبوا بالمقاومة السلمية؛ ولكن المدهش كان أن ١٥٪ قالوا بالحفاظ على الوضع القائم!

ولا يوجد تفسير لهذه الإجابة الأخيرة إلا وجود درجة كبيرة من اليأس من نتائج كل الحلول الأخرى إلى الدرجة التي تجعل الوضع القائم بكل سوءات الاحتلال فيه ربما يكون أفضل من كل ما هو قادم.

«النضال المسلح» و«الانتفاضة الشعبية» المسلحة، و«المقاومة السلمية» تعكس من ناحية أخرى رفضاً لاستمرار الموقف الراهن، والمطالبة القوية من قبل ٧٤٪ من الذين جرى استطلاع آرائهم بعدم الحوار مع الولايات المتحدة.

ورغم أن الاستطلاعات السابقة أشارت إلى مواقف تطالب بعزل الرئيس محمود عباس إلا أن الاستطلاع الحالي يقول إنه لو عقدت الانتخابات اليوم وجرت المنافسة بين الرئيس عباس وإسماعيل هنية من حركة حماس فإن الأول سوف يحصل على ٤٩٪ من الأصوات والثاني على ٤٤٪.

وكذلك فإن فتح سوف تحصل على ٤٠٪ من الأصوات، وحماس على ٣٢٪، والأحزاب والجماعات الأخرى على ١٠٪، ولا يزال هناك ٢٠٪ لم يحدد موقفهم بعد.

الاستطلاع في التفاصيل يكشف عن عمق كبير للانقسام الفلسطيني بين الفلسطينيين في الضفة الغربية وهؤلاء في قطاع غزة، وما بين حماس وفتح، والسلطة الوطنية الفلسطينية والقيادة في غزة، وهكذا تقسيمات.

والأخطر أن الاستطلاع يكشف عن نظرة فلسطينية للدولة مختلفة عما هو موجود بين الدول، وهو احتكار السلطة لاستخدام السلاح، حيث أعلنت الأغلبية ٥٩٪ أنه ليس من حق الحكومة حل الجماعات المسلحة أو نزع سلاحها، لأنها هكذا أكثر أهمية من الشرعية للسلطة الوطنية.

أهم أهداف الفلسطينيون الآن كما عبروا عنها هي أن ٣٦٪ يريدون التوحيد بين الضفة والقطاع رغم كل ما تقدم، و١٨٪ يريدون تحسين الأوضاع الاقتصادية، و١٧٪ يريدون رفع الحصار عن غزة، و١٣٪ يريدون إقامة مجتمع مسلم، و٧٪ يريدون مجتمعاً ديمقراطياً!

Ⅶ كاتب ومحلل سياسي

 

Email