صناعة الإرهاب الشيطانية

ت + ت - الحجم الطبيعي

«الإرهاب صناعة شيطانية، أخطر ما فيها استخدام الفكر والعقيدة لتحقيق أهداف ومصالح سياسية، وهو يمثل غطاء لكثير من الأهداف التي تسعى بعض الدول لتحقيقها وتستخدم أدواتها ضد الإنسان وتقدمه لتحقيق أهدافها».

العبارة السابقة قالها الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال مداخلته في جلسة التحديات الراهنة للأمن والسلم الدوليين، في اليوم الأول لجلسات منتدى شباب العالم الذي انعقد في مدينة شرم الشيخ الساحلية في الفترة من ١٤ ــ ١٧ ديسمبر الجاري.

للأسف الشديد فإن العديد من الناس خصوصاً في المنطقة العربية، لا يدركون أن دولاً وتنظيمات كثيرة تستخدم الإرهاب لتحقيق أهداف سياسية، وأن غالبية الشعارات التي ترفعها هذه التنظيمات كلام حق يراد به باطل. غالبية الشباب الذين يلتحقون بالتنظيمات الإرهابية يكونوا مدفوعين في البداية بحماس بالغ، ظناً منهم أنهم يخدمون قضايا نبيلة. هم لا يدركون أنهم صاروا تروساً في آلة ضخمة وجبارة هدفهم هدم دولهم ومجتمعاتهم.

وبعد فترة من الزمن يتم غسل أدمغة وعقول هذا الشباب تماماً، بحيث لا يستطيع أن يميز بين الحق والباطل رغم الوضوح الكامل بينهما.

هؤلاء الشباب لا يعرفون أن قادتهم قد سرقوا أدمغتهم، ووضعوا مكانها شعارات براقة فارغة، لكن النتيجة النهائية أنهم يعملون لمصلحة أعداء شعوبهم وأوطانهم.

من حق الشباب ومن حق أي شخص أن يختلف مع حكومته، بشأن الأفكار والسياسات والرؤى، لكن المشكلة تبدأ حينما يحملون السلاح محاولين تنفيذ أفكارهم بالقوة. هم لا يدركون فعلاً أنهم يعملون لمصلحة الأعداء.

المثال العملي على هذا الأمر ما يسمى بتنظيم أنصار بيت المقدس، الذي نشط في سيناء خلال السنوات الماضية.

هذا التنظيم نفذ العديد من العمليات الإرهابية ضد الجيش والشرطة في مصر، وضد كل من اعترض على إرهابه وإجرامه من الناس العاديين. هو يقول عن نفسه إنه من «أنصار بيت المقدس»، لكن على أرض الواقع، هو أعطى ظهره لبيت المقدس الحقيقي، وتفرغ لقتل أفراد الشرطة والجيش الذي انتصر على مغتصب القدس الحقيقي في أكتوبر ١٩٧٣.

ما فعله هذا التنظيم وكل التنظيمات المؤيدة له على اختلاف مسمياتها أنه لم يحقق إلا أهداف إسرائيل.

هو حول حياة بعض مناطق شمال سيناء إلى جحيم. قتل شيوخ قبائل، وعطل بعض مظاهر الحياة، وكانت جريمته الكبرى حينما قتل بدم بارد ٣٠٠ مسلم بريئين كانوا يؤدون صلاة الجمعة في قرية الروضة بوسط سيناء قبل حوالي العامين. ما فعله أنصار بيت المقدس، سبق أن فعلته بعض التنظيمات الفلسطينية المتطرفة في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي. كانت تغتال قادة فلسطينيين معتدلين بحجة أنهم «ليسوا مناضلين بصورة كاملة»، ولم تستفد من هذه التنظيمات والاغتيالات إلا إسرائيل.

التطور الخطير أنه ومع شيوع وانتشار الإرهاب في المنطقة والعالم، صار كثيرون يستخدمونه كستار لكل ما هو غير قانوني.

هناك تنظيمات وميليشيات وعصابات صارت تستخدم الإرهاب في الجريمة المنظمة.

نعود إلى كلام الرئيس السيسي الذي بدأنا به، حيث قال: «إنني حين أسعى لتحقيق الاستقرار في بلدي مصر والتنمية المنشودة، نصطدم بعملية إرهابية أو عمليتين من شأنهما وقف أنشطة السياحة في مصر، مما يعني خسارة تصل إلى ١٦ مليار دولار. وهو مبلغ كبير، خاصة ونحن دولة ليست غنية ومواردنا محدودة، وبالتالي تدخل الدولة في أزمة كبيرة لمدة سنة أو سنتين أو ثلاث حتى يتم التعافي من تداعيات تلك العملية الإرهابية، ونعود بعدها أفضل مما كان).

النقطة الجوهرية في كلام الرئيس السيسي أنه «خلف كل إرهاب مطالب خفية، لا يعرفها المواطن البسيط، لكن السياسيين وأجهزة الدولة يعرفون الأهداف والنوايا الخفية للدولة الداعمة للإرهاب، بغض النظر عن كيف نشأ وتطور».

حينما يندلع الإرهاب ويتوسع تحت شعارات براقة ينسى الناس بعد فترة المسببات وتبدأ عملية خطيرة هي إعادة إنتاج الإرهاب بصورة ذاتية بغض النظر عن الأسباب التي تم الحديث عنها في البداية. وبالتالي فإن المخططين، خصوصاً في الخارج، يراهنون على الرصاصة الأولى، وهم واثقون أن العملية سوف تستمر بصورة نهائية.

النقطة الجوهرية، هو كيف يمكن للحكومات في المنطقة العربية أن تقنع شعوبها بهذه العلاقة، حتى يتم فضح الإرهابيين ومن يستخدمهم أو يمولهم ويدعمهم بكل الطرق، والأهم، كيف يمكن للحكومات العربية أن تقضي على البيئة الحاضنة للإرهاب، والتي تجعل ملايين البسطاء يصدقونه؟!

 

ـــ رئيس تحرير صحيفة الشروق المصرية

Email