موت قناة تلفزيونية

ت + ت - الحجم الطبيعي

أعلنت قناة TeN المصرية الأسبوع الماضي أنها ستتوقف عن البث نهاية شهر ديسمبر الجاري لأسباب تمويلية وإعلانية بحتة. وجاء هذا القرار الصعب، كما وصفه نص البيان الذي أصدرته إدارة القناة، انطلاقاً من حرصها على الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه موظفيها وتعاقداتها التشغيلية، واستباقاً لأي صعوبات مالية قد تواجهها القناة في المستقبل نتيجة ضعف الإعلانات على شاشتها.

وأشارت الإدارة في بيانها إلى أن قناة TeN عملت منذ تأسيسها في مناخ إعلامي إيجابي، منحها هامشاً واسعاً من الحرية التحريرية والفنية، وساعدها على تقديم مختلف وجهات النظر في مختلف القضايا التي تهم المشاهد المصري والعربي على حد سواء.

وهي قناة تصف نفسها بأنها مصرية الهوى والهوية، شاملة وجامعة لكل الآراء والأفكار والتوجهات التنويرية، تقدم إعلاماً سماته الموضوعية والمهنية بشكل جذاب ومشوق وفق أحدث التقنيات الفنية، كون القناة مستقلة وغير منتمية لأي تيار سياسي أو رجال أعمال.

إعلان توقف قناة تلفزيونية عن البث هو إعلان موت منبر إعلامي، خاصة إذا كانت هذه القناة ملتزمة مهنياً. وقد تزامن الإعلان عن توقف قناة TEN المصرية مع جلسة حوارية عقدت في منتدى الإعلام السعودي، دار الجدل خلالها حول التحديات التي يواجهها التلفزيون في ظل تنامي بدائل المشاهدة عبر الوسائل الرقمية، والتوقعات المستقبلية من خلال بدائل التلفزيون التقليدي في المرحلة الرقمية.

ففي حين رأى البعض أن طريقة المشاهدة التقليدية ومواعيدها هي التي ماتت وليس التلفزيون التقليدي، لافتاً إلى أهمية الإنترنت، قال البعض الآخر إنه لا عزاء للتلفزيون التقليدي في مواجهة مدّ التلفزيون المدفوع، لافتاً إلى تفوق التلفزيون الرقمي على التقليدي، في حين أخرج البعض القنوات الإخبارية من هذا الصراع، وذلك نظراً لاختلاف محتواها، مشيراً إلى أن الصراع بين المدفوع والتقليدي يحدده المشاهِد والمُتلقي.

موت التلفزيون التقليدي ليس قضية جديدة تتناولها المنتديات الإعلامية والمؤتمرات المتخصصة في واقع وتطور ومستقبل وسائل الإعلام، فمنذ أن ظهر التلفزيون المدفوع والرقمي والأجهزة اللوحية والهواتف الذكية والإنترنت وقضية موت التلفزيون محل نقاش وجدل.

فقبل سنوات حذر الممثل الأمريكي كيفين سبيسي، الحاصل على جائزة أوسكار عن دوره في فيلم جمال أمريكي، في مداخلة له خلال مهرجان أدنبره الثقافي الدولي، من موت التلفزيون وخضوعه لمتطلبات الإنترنت، مذكراً بأن بعض المسلسلات كانت تستقطب ملايين مشاهدي التلفزيون قبل تسيد الإنترنت.

وعبّر عن مخاوفه من موت الدراما التلفزيونية إذا ما استمر التفوق المطرد للبث الدرامي والبرامجي على الإنترنت كبديل سهل ومتنقل للتلفزيون التقليدي. لكن دراسة كشفت أن جهاز التلفزيون لم يفقد مكانته العالية لدى المشاهدين لصالح الأجهزة اللوحية والهواتف الذكية، وقالت الدراسة إن تسعين في المئة من الجمهور مازالوا على تقاليدهم في مشاهدة برامج التلفزيون. وذكرت الأرقام، التي نشرت نتائجها صحيفة الغارديان البريطانية، أن أجهزة الكمبيوتر المحمول واللوحية والهواتف الذكية تأخذ ثلاث دقائق وثلاثين ثانية من وقت المستخدم يومياً، مقارنة مع أربع ساعات يقضيها أمام شاشة التلفزيون.

إلى أي مدى تجتاح الشبكات التلفزيونية، باعتبارها واحدة من المنافسين، أجواء التلفزيون التقليدي، وكيف وصلت هذه الشبكات إلى هذه المكانة؟

ربما تكون «نتفليكس» خير ممثل لهذه الشبكات، وهي خير مثال على تطور الشبكات التلفزيونية ومنافستها للتلفزيون التقليدي. فالشركة التي تأسست عام 1997 لتقديم خدمة بيع وتأجير الأقراص المدمجة سرعان ما وسعت أعمالها، وبدأت تقديم خدمة البث عبر الإنترنت.

وفي عام 2013 اتجهت «نتفليكس» نحو مجال صناعة الأفلام والمسلسلات، وبدأ عرض أول مسلسل أصلي تقدمه الشركة، وهو مسلسل «بيت من ورق». بعدها ازداد إنتاج «نتفليكس» من الأفلام والمسلسلات والبرامج الوثائقية وعروض الستاند أب كوميدي. وفي عام 2016 أطلقت «نتفليكس» حوالي 126 عملاً أصلياً، متفوقة بذلك على أي شبكة أو قناة كابل تلفزيونية. وفي شهر أكتوبر من عام 2018 أعلنت الشركة عن زيادة عدد المشتركين في الخدمة ليصل إلى 137 مليون مشترك من جميع أنحاء العالم، منهم 58 مليون مشترك في الولايات المتحدة.

ليس التلفزيون وحده من تطرح المنتديات والمؤتمرات موته على طاولة نقاشاتها، فكل وسائل الإعلام التي يسميها البعض تقليدية، مثل الصحافة والإذاعة، تتعرض لمثل هذا النقاش، ويكاد المتحاورون حول حالتها يدخلونها غرف الإنعاش، لكن الملاحظ أن هذه الوسائل أخذت في السنوات الأخيرة تطور نفسها مستفيدة من التكنولوجيا الحديثة، كي تواكب الوسائل الأخرى، بما فيها الشبكات التلفزيونية، عن طريق إتاحة مشاهدة ما تبثه في الأوقات التي يختارها المشاهد. لذلك فإن إعلان توقف قناة تلفزيونية عن البث، رغم أنه مؤسف، إلا أنه قد يعني موت هذه القناة لصعوبات تتعلق بها، لكنه لا يعني موت التلفزيون الذي ما زال قلبه ينبض حتى الآن.

مما يبعث الأمل في قلوب العاملين في مجال التلفزيون التقليدي أن سلطة الترخيص الخاصة بالأجهزة التلفزيونية في المنازل ببريطانيا ذكرت في إحصائية لها أن أكثر من 13 ألفاً من البريطانيين لا يزالون يستخدمون أجهزة الأبيض والأسود حتى اليوم.

وقالت الأرقام إن مدينة لندن في مقدمة المدن البريطانية التي ما زالت تستخدم هذه الأجهزة، حيث توجد بها 2715 عائلة تمتلك جهاز تلفزيون غير ملون، تليها برمنغهام ومانشستر. فإذا كان الأبيض والأسود ما زال حياً في بريطانيا حتى الآن، فإن موت الملون يبدو بعيداً، في المستقبل المنظور على الأقل.

* كاتب إماراتي

Email