العلاقات الإماراتية السعودية.. المعاني والدلالات

ت + ت - الحجم الطبيعي

تستحق الزيارات المتكررة والمتبادلة لقيادتي البلدين الإمارات والسعودية، آخرها زيارة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، للدولة، التأمل والاهتمام عربياً من أجل قراءة معطياتها والدلالات التي يمكن أن تساعد في عودة، إن صح التعبير، النهوض أو الصحوة العربية التي شهدت تراجعاً كبيراً خلال الفترة الماضية، وتسبب ذلك التراجع في أن تكون دولها ساحة للتنافس بين الدول الإقليمية والدولية على النفوذ فيها.

في طبيعة العلاقة الإماراتية - السعودية نحن أمام نوع جديد من العلاقات بين الدول العربية لم نعتد عليه، حيث وصلت إلى درجة كبيرة من الترابط في مختلف المشروعات السياسية والاقتصادية، وفي كل مرة هي تزداد ثقة ورسوخاً، ويعمل كل طرف على مساعدة الآخر من أجل إنجاح مواقفه أو مشروعاته التي في نهاية المطاف تصب في المصلحة العربية، كما أن درجة التفاهم والمصارحة بين القيادتين سدت الباب أمام محاولات تخريبها، وهو ما يعكس في لغة السياسة وجود رؤية شاملة لطبيعة العلاقات الثنائية بين البلدين وعلاقة تقوم على تكامل الجهود بينهما، خاصة في ناحية تمرير الرسائل السياسية إلى الدول الإقليمية والكبرى، ملخصها أن أي محاولة مع أو ضد العرب لا بد من المرور من خلال الدولتين اللتين أصبحتا عاصمة القرار العربي واقعياً، وليس كما يفترض.

العلاقة الإماراتية - السعودية الاستراتيجية التي بدأت بشكلها الحالي مع إعلان التحالف العربي لإعادة الشرعية في اليمن ترسخت مع مرور الوقت حتى أصبحت علاقة تكاملية أكدت أنها خيار مبني على تجاوب علمي وعقلاني من خلال إعلان الخطة الخمسية المشتركة تحت مسمى استراتيجية العزم في عام 2018 أساسها 44 مشروعاً مشتركاً يشمل المجالات التنموية المختلفة، وهي حالة عربية غير مسبوقة في التعاون بين بلدين عربيين.

نحن في إقليم جغرافي طبيعة علاقات دوله قائمة على العاطفة التاريخية والثقافية، وقد عمقتها العديد من الأفكار والخطابات، ولكن في المقابل، وللأسف الشديد، سريعاً ما كانت تتأثر سلباً مع أي اختلاف بينها، ولو كان بسيطاً، وهذا كان أحد مداخل الدول الإقليمية ذات المشروعات السياسية ضد المنطقة إما من خلال تنظيمات سياسية أو حكومات لا تخجل من المجاهرة في الوقوف ضد المصلحة العربية، بل إن الأكثر من ذلك أن تقوم بعض تلك الحكومات على تمويل من يقود الفوضى في الدولة العربية ويتبنى شعارات مضللة ويثير الشعوب ضد بلدانها، وهذا هو الخطر الأكبر لأنه جعل النظام العربي يعاني الفشل في إدارة أزماته الداخلية، والتي تحاول الإمارات والسعودية مساعدته على الوقوف من جديد.

مغزى الكلام أن الدول العربية تحتاج ثورة في طبيعة علاقاتها مع نفسها بحيث تركز على الأجندات الوطنية التي تخدم شعبها والابتعاد عن أن يكون بعض مسؤوليها أدوات في يد الآخرين إلى درجة تفقد ثقة شعوبها فيهم كما يحدث الآن في العراق ولبنان، وأن تعود تلك الدول إلى المسار الصحيح للعمل «الوطني»، وإلى بناء نسق سياسي معرفي يقوم على المصلحة وإحلال المنهج العملي والعلمي دون إلغاء العاطفة التاريخية والقومية، فهي عامل مساعد، ولكنه ليس كل شيء، والانتقال من التركيز على التحالفات التقليدية إلى علاقات تبحث عن مصلحة المواطنين مع الأشقاء.

الفرق بين ما تفعله الإمارات والسعودية وغيرها من الدول العربية الأخرى مع بعضها، أن أبوظبي والرياض يستفيدان من وجود علاقات قائمة على العمق التاريخي والسياسي منذ زمن بعيد في توظيفها من أجل تكاملهما وتنسيق مواقفهما، والتي لا تكون طبق الأصل في العلاقات السياسية أساساً، ولكن من أجل المصلحة العليا، أما علاقات الدول العربية الأخرى فأساسها الارتهان على العاطفة والتاريخ، والتي سريعاً ما تتغير مع أي اختلاف في الرأي.

تمثل العلاقات الإماراتية - السعودية روحاً سياسية عربية جديدة يتطلع من خلالها المواطن العربي إلى عودة الصف العربي وفق معايير الوقت الحالي التي تقوم على شرعية الإنجازات والتنمية، وليس الحنين على العاطفة التاريخية والقومية.

* كاتب إماراتي

Email