أمن الخليج من منظور تاريخي

ت + ت - الحجم الطبيعي

عقد في أبوظبي المؤتمر السادس لملتقى أبوظبي الاستراتيجي برعاية مركز الإمارات للسياسات من 10-11 نوفمبر الجاري. وقد حضر الملتقى لفيف من الخبراء والدارسين والباحثين من دول عدة في الشرق والغرب.

وقد احتل موضوع الأمن في الخليج العربي مركز الصدارة لما له من أهمية في سياقات عدة، أولها مكان عقد المؤتمر في قلب الخليج العربي، وأهمية المنطقة من الناحية الجيوسياسية والاقتصاد العالمي. وأهمية النفط بالنسبة للاقتصاد الدولي.

وفي إحدى الجلسات «منطقة الخليج.. القدرات والاحتمالات»، كان هناك حوار بين عبد الخالق عبدالله، وهو غني عن التعريف، وابتسام الكتبي، رئيسة ومؤسس مركز الإمارات للسياسات. وكان حول انكشاف منطقة الخليج للتهديدات الخارجية. حيث يرى الدكتور عبد الخالق عبدالله أننا وصلنا إلى «لحظة الخليج»، التي جعلت من منطقة الخليج مركز الثقل العربي.

وأضاف أن جهود المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة المشتركة لها تأثيرها الإيجابي الكبير على الأوضاع في العالم العربي. ويرى عبد الخالق حسب كتابه «لحظة الخليج»، أن الخليج العربي الآن يعيش أزهى عصوره وأنه بمقدوره قيادة الإقليم إلى فضاءات أرحب وإلى استقرار ونمو حقيقي.

وإذا ما تلمسنا موضوع الأمن في منطقة الخليج عبر منظور تاريخي سنرى كيف تطورت قضية الأمن بشكل أوسع وأعم.

ومنطقة الخليج منذ أن انخرطت في النظام العالمي الحديث في القرن السادس عشر لم تر استقراراً، حيث قامت القوات البرتغالية باحتلال مناطق من منطقة الخليج للأهمية الجيوسياسية كطرق التجارة إلى الهند وآسيا وأفريقيا. ولكن المقاومة ضد التواجد البرتغالي أدت إلى طردهم في القرن السابع عشر.

وأصبح البريطانيون يجوبون سواحل الخليج للسيطرة على هذه الممرات الاستراتيجية. والخليج كان ممراً مهماً للهند، درة التاج البريطاني. ولم يكن من الممكن السماح لقوة أخرى أن تسيطر على الخليج. وقامت بريطانيا بالتوقيع على اتفاقية مع دول الخليج تمنحها بموجبها بريطانيا الأمان والاستقرار، وبذلك تتولى بريطانيا ممارسة حماية المنطقة في القرن التاسع عشر.

ولكن حربين عالميتين أنهكتا بريطانيا. وأعلنت لندن عام 1956 أنها سوف تنسحب من شرق السويس. وتراجعت الحماية البريطانية في المنطقة، وأصبحت دول الخليج منكشفة للتهديدات الخارجية. وفعلاً قامت إيران الشاه بالهجوم على إمارتي الشارقة ورأس الخيمة واحتلت ثلاث جزر من هاتين الإماراتيين.

وكان من الواضح أن المنطقة فيها خواء استراتيجي لأسباب عدة. فالولايات المتحدة كانت متورطة في فيتنام إلى أخمص قدميها. كما أن الرئيس ريتشارد نيكسون يواجه إجراءات العزل بسبب ووترجيت. كما أن الحرب العربية - الإسرائيلية الثالثة استعرت بعد أن عجز العرب وعلى رأسهم أنور السادات عن إقناع إسرائيل بالتوصل لحل سلمي لتنسحب إسرائيل من الأراضي المحتلة في 1967.

وقامت الدول العربية النفطية بقطع النفط بعد أن تأكد أن الولايات المتحدة قامت بإعادة تزويد إسرائيل بالسلاح لمنع هزيمتها. وأدى حظر النفط إلى ارتفاع أسعار النفط إلى أربع مرات. وتحول النفط من سلعة مهمة إلى سلعة استراتيجية بعد أن استخدمت كسلاح في مواجهة ما شعرت به الدول العربية من تغول أمريكي في قضية الشعب الفلسطيني وفي منطقة الشرق الأوسط.

وما لبثت المنطقة أن شهدت تهديدات أخرى تتعلق بالثورات العربية مثل النظام اليمني الجنوبي والذي تبنى إيديولوجية ماركسية، وبدأ يدعو إلى إسقاط الأنظمة الخليجية. ولكن التهديد الإيراني بعد الثورة الإسلامية كان أكبر تهديد يواجه دول الخليج. ودخلت المنطقة في أتون حرب بين العراق وإيران امتدت إلى ثمانية أعوام. وقامت إيران بتهديد الملاحة البحرية في منطقة الخليج.

وما أن انتهت هذه الحرب والتي أتت على الأخضر واليابس، إلا وشهدت المنطقة كارثة غزو واحتلال العراق للكويت. وبعدها لم ينعم العراق باستقرار. وبعد أحداث سبتمبر الإرهابية، عزم الأمريكيون على غزو العراق، والذي أدى ليس لتحطيم نظام صدام وحسب، ولكن إلى تحطيم الدولة العراقية برمتها. وبدأت إيران تصطاد في الماء العكر وتفرض هيمنتها على هذا القطر العربي المكلوم.

وباتت المنطقة مهددة من قبل حركات إرهابية مثل القاعدة وداعش. وقد احتلت الأخيرة رقعة جغرافية كبيرة تمتد من سوريا إلى شمال العراق. وبعد تقلص دولة داعش وقتل قائدها أبوبكر البغدادي لا ندري أي كارثة تنتظر المنطقة. وللأسف يبدو أن منطقة الخليج منطقة تتجاذبها المصالح الإقليمية والدولية. وليس هناك من بد من تضامن عربي قوي لتحقيق استقرار المنطقة.

 

 

 

Email