ميليشيات وجيوش

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدو أن هناك رغبة عارمة من بعض القوى الدولية والإقليمية في تعميم الميليشيات لتصبح بديلاً للجيوش الوطنية في البلدان العربية، وقد بدأنا نرى نتائج ذلك على الأرض هذه الأيام. هذه الميليشيات في منتهى الخطورة لأن هدفها النهائي هو تعميم حالة الانفلات والفوضى والانقسام والحروب الجهوية والأهلية والطائفية والفئوية.

قد يكون بعض أفراد الميليشيات متحمسين للدفاع عن تراب الوطن، لكن ما لا يدركوه أن مجرد وجود هذه الميليشيا يعني بصورة آلية أنها ستدخل في صراع ــ إن آجلاً أو عاجلاً ــ مع الجيش الوطني، وربما مع بقية المجتمع بأكمله.

البعض يعتقد أنه علينا ألا نلوم الميليشيات وقادتها، بل علينا أن نلوم في الأساس الحكومات والجيوش العربية التي فشلت في مواجهة إسرائيل عسكرياً أو حضارياً أو اقتصادياً، وبالتالي فإن هذه الميليشيات كانت هي البديل (المزعوم) في مواجهة إسرائيل.

إلا أن المفارقة أن غالبية ـ إن لم نقل كل هذه الميليشيات ـ لم تطلق رصاصة واحدة على إسرائيل، أو دخلت في اشتباكات مظهرية ــ تعجب البسطاء أو جمهور الترسو ــ في حين أن نشاطها الأساسي كان موجهاً لتقسيم وتدمير مجتمعاتها.

لنحاول أن نلقي نظرة تقييمية على حال الميليشيات التي انتهت عملياً لتصبح دولة داخل بلدانها.

المثال الأبرز والرائد هو ميليشيا حزب الله اللبنانية. هذه الميليشيا نشأت كتنظيم يدعي المقاومة ضد العدو الصهيوني، عقب احتلال الجنوب اللبناني بعد الاجتياح عام ١٩٨٢. وزاد دوره بعد توقيع اتفاق الطائف عام ١٩٩٠. غالبية العرب لم ينشغلوا بهوية الحزب الطائفية، خصوصاً بعد تحرير الجنوب اللبناني عام ٢٠٠٠. وفي عام ٢٠٠٦ خرجت بعض الجماهير العربية لتدعيم هذا الحزب وقائده حسن نصر الله حينما تعرض لبنان للعدوان الإسرائيلي.

لكن بعد هذا العام، بدأت الصبغة الطائفية تطغى على هوية الحزب، واستخدام آلته العسكرية لتعظيم دوره السياسي. داخل لبنان وهو ما ترسخ أكثر بتدخله في سوريا لنصرة النظام السوري.

الآن القوة العسكرية للحزب، صارت في خدمة الاستراتيجية الإيرانية، ومعطلة لأي توافق داخلي لبناني دون أن يعني ذلك أن بقية الطوائف اللبنانية بريئة مما وصل إليه الحال اللبناني!

الميليشيات الشيعية والسنية المعتدلة والمتطرفة في سوريا، وما بينها، لعبت دوراً خطيراً في تدمير سوريا، ولا يمكن إعفاء النظام السوري من المسؤولية التي وصل إليها الحال منذ اندلاع الأحداث في مارس ٢٠١١.

في اليمن هناك الميليشيا الطائفية الحوثية، التي تأتمر بأمر ولي الفقيه في طهران، هي انقلبت على الشرعية في عام ٢٠١٥، بعد أن حاربت الحكومات المتعاقبة منذ سنوات طويلة، وسيطرت على العاصمة صنعاء والعديد من المحافظات الأخرى، وهي أيضاً ذراع في يد طهران تحركها كما تشاء.

في اليمن أيضاً هناك ميليشيات لجماعة الإخوان «الإصلاح»، وميليشيات للقاعدة وداعش، وميليشيات قبلية متفرقة. والنتيجة النهائية أن فكرة الميليشيات ــ وأسباب أخرى ــ أعادت اليمن لقرون غابرة.

في ليبيا ارتكب حلف الناتو جرماً فادحاً حينما سلحوا الميليشيات والقبائل لإسقاط الرئيس الراحل معمر القذافي، ثم تركوا الأسلحة في يدها، كي يضمنوا استمرار الفوضى لعقود طويلة. ونرى الآن حرب ميليشيات متنوعة تحارب الجيش الوطني، بعد أن دخلت في حروب وصراعات بينية طوال السنوات الماضية، خصوصاً داعش وأنصار الشريعة والقاعدة، ومعظمها مدعوم من تركيا وأجهزة غربية، تريد تحويل ليبيا إلى مركز دائم لتهديد مصر وبقية الجيران.

في السودان تحدث الإخوان عن وجود «كتائب الظل» حينما بدأ نظام عمر البشير يتهاوى قبل سقوطه، والحمد لله أنها لم تظهر حتى الآن.

في مصر أيضاً حاول الإخوان تكوين ما يسمى بـ«جيش القدس» خلال فترة حكمهم القليلة، والحمد لله أنهم فشلوا، لكن «داعش» حاول تكرار التجربة في الشيخ زويد بسيناء أول يوليو ٢٠١٥، وتم دحرهم أيضاً.

والمفارقة أن ما يسمى بجماعة «أنصار بيت المقدس» لم تطلق رصاصة واحدة ضد من يحتل القدس بل وجهت رصاصاتها للجيش والشرطة والمجتمع المصري. تلك هي الصورة العامة، ويتبقى «الحشد الشعبي» في العراق وهي الميليشيا التي صارت الأخطر على الإطلاق، وهو أمر يستحق حديثاً لاحقاً إن شاء الله.

 

 

Email