الجامعة والفراغ السياسي العربي

ت + ت - الحجم الطبيعي

كثر الحديث خلال الفترة الأخيرة عن غياب النظام السياسي العربي وبات الكل تقريباً يتساءل أين دور «البيت العربي» وسط هذا التدخل الإقليمي والدولي الفج الذي تعانيه أغلب الدول العربية.

وحول ما يفعله كل من النظام الإيراني المتمدد في المجتمعات العربية ونظام أردوغان الحالم بعودة خلافة أجداده العثمانيين والعرب شبه غائبين عن المشهد وكأن الأمر لا يعنيهم بل إنه أحياناً تعتقد أنهم ينسحبون متعمدين عن الدفاع عن أمنهم القومي؟!

فرغم كل الانتقادات الموجهة لها كانت الجامعة العربية تقوم بدورها تجاه المحافظة على وحدة العرب - المختلفين دائماً الذي بات جزءاً من تراثهم السياسي.

وتجاه أي تجاوز تقوم به بعض الدول تجاه إقليمها وقضاياها التاريخية مثل القضية الفلسطينية والجولان أو حتى التعدي على مياه النيل، أما أخطر ما يتعرض له العرب اليوم هو تراجع العمل الجماعي ومواجهة كل دولة للتهديدات بمفردها مع أن المستهدف العرب جميعاً، وبات هذا الأمر يمثل لغزاً ناحية الكثير من المفاهيم التاريخية والقومية بأن العالم العربي هو وطن واحد، وحول المسؤولية الجماعية تجاه ما تتعرض له بعض الدول العربية مثل:

اليمن والعراق وليبيا. في تقديري أن هناك إرثاً سياسياً عربياً ثقيلاً تتحمله كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات بعد فترة ما يسمى «سيئ الذكر - الربيع العربي» ويزداد هذا الحمل عبئاً بوجود مناخ سياسي ذي بعدين خطيرين: داخلي سببه تنظيمات تخدم، بكل أسف، أجندة خارجية أو أطماعها السياسية مثل جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية.

ويبذلون أقصى جهدهم لتدمير الدولة الوطنية وإنهاك الحكومات. وبعد خارجي أو إقليمي، حيث الكل يتنافس على النفوذ في الساحة العربية، مستغلين الفراغ السياسي العربي من خلال غياب أو «موت» الجامعة العربية أو انشغال الدول العربية الكبرى بالتحديات الداخلية، كما في العراق ومصر بشكل أقل.

وللإنصاف فإن كلاً من السعودية والإمارات اللتين أشرفتا على توقيع اتفاقية بين الفرقاء اليمنيين أمس، استطاعت تحقيق الكثير من الإنجازات للأمن القومي العربي، أبرزها وضع حد لمحاولة الإخوان المسلمين في «إلغاء» أو تدمير الدولة الوطنية من خلال الانفراد بالقرار السياسي في مصر بعد سقوط نظام حسني مبارك.

وكذلك إفشال سعي إيران في السيطرة على عواصم عربية، كما في اليمن، وبالتالي إعادة إحياء «الروح العربية»، وباتت هاتان الدولتان مرجعية سياسية للكثير من الدول الكبرى ذات التأثير في السياسة الدولية، إلا أن تعزيز موقفهما يحتاج إلى سد الفجوة العربية ومعالجة التمزق السياسي الذي تقوده بعض الأنظمة العربية.

حديث غياب الدور العربي ليس عن دورها في القضايا التي تحاكي المستقبل والتحديات الجديدة في زيادة التعاون والتنسيق المشترك بين الدول، ولكن الكلام يدور حول الحفاظ على استقرار الدولة العربية ومنع التدخلات الخارجية، لأن الواضح لنا أن هناك توجهاً بين تركيا وإيران لتقاسم مناطق نفوذ في الدول العربية في استعادة لاتفاقية سايكس - بيكو، وربما المخطط يسير وفق ذلك إذا لم يتحرك العرب من الشلل السياسي الذي يزيد من أطماع هذه الدول.

ندرك أن هناك خلافات بين الدول العربية واختلافات سياسية حول إن كانت إيران وتركيا مصدر تهديد للأمن القومي العربي، لكن بالنظر إلى ما يتم على أرض الواقع من تفاصيل يؤكد أن السياسة لا تعرف للنوايا الحسنة مكاناً، خاصة وأن للنظامين أطماعاً تاريخية في الدول العربية، أعلنا عنها أكثر من مرة في تصريحاتهما.

وأكدتها سلوكياتهما السياسية، لذا يفترض أن تكون تلك الاختلافات مسألة جزئية في مصلحة الأمن القومي العربي، وألا تسيطر على الحالة العامة.

وكأن البعض المختلف يريد تدمير الكل من أجل مصلحة شخصية، لأن الخطر في النهاية سيصيب الجميع، لأن الغريب في الأمر أن النظام العربي من شرقه وغربه لم يستطع أن يؤيد ما يتم في العراق صراحة، مع أنه يريد التخلص من التدخل الإيراني، ولا حتى الغطرسة التركية، عندما اعتبر ليبيا الدولة العربية هي إرث أجداده.

العرب في حاجة كبيرة إلى إحياء الجامعة العربية «بيتهم السياسي»، فهو الآن ضرورة حقيقية وليس رفاهية، لأنهم يواجهون قضايا خطيرة تهدد أمنهم القومي وكيان الدولة الوطنية.

Ⅶ كاتب إماراتي

 

Email