رأي

أزمات متراكمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

المتابع للاحتجاجات في العراق ولبنان يدرك أنها جاءت نتيجة الحالة الاقتصادية المتردية وانتشار الفساد والبطالة، فالاتجاه العام ساخط على فشل سياسات الدولة والصراع الحزبي المستمر والفاقد للحلول الحكومية في معالجة أزمات البلدين المتراكمة.

فقد لجأت كل ألوان الطيف السياسي على الحديث بجرأة غير معهودة عن التغيير، الأمر ذو الدلالة أن غالبية التيارات أجمعت، مع خلافها على بعض التفاصيل هنا وهناك، على أمرين وهما مكافحة الفساد والفقر.

صدقت مقولة كارل ماركس حينما قال إن الفقر لا يمكنه أن يصنع ثورة بل وعي الفقير هو الذي يصنعها، فقد أثبتت الاحتجاجات في العراق ولبنان عن وعي المتظاهرين بضرورة التغيير في كل المجالات، فاندلاع الاحتجاجات غير ناجم عن رؤية وموقف أيديولوجي، بقدر ما هو ناجم عن قراءة موضوعية لطبيعة الحدث.

فالشعور بعدم عدالة توزيع الثروة محفز للتظاهرات التي عكست الانفصال التام بين الكتل السياسية والشارع. كما أن الإحساس بالظلم هو القاسم المشترك بين البلدين، وحين اكتملت دائرة الوعي بالظلم كان لابد للشعبين أن يثورا ضد الفقر، ضد الفساد، ضد الطائفية، ضد تدخلات إيران. كما أن الاتجاه العام ساخط على الفشل الحكومي المتراكم والصراع الحزبي المستمر والفاقد للحلول الحكومية في معالجة أزمات البلاد المتراكمة.

هذه الوضعية ساهمت فيها عوامل كثيرة أولها احتكار مراكز النفوذ والثروة من قبل قلة قليلة مستفيدة من كل الامتيازات، وثانيها سوء توزيع الثروة الوطنية وشيوع الفساد.

وثالثها تدخلات إيران في كل كبيرة وصغيرة في البلدين، فالفاسدون لا يفقهون فلسفة البناء، هم من كرسوا سياسة الغبن والهيمنة والإقصاء ما نجم عنه تصدع في البنية الاجتماعية ليبقى العراق ولبنان رهينتي السياسات الرعناء التي أفقرت المجتمع، ودمرت اقتصاده، وصدعت نسيجه الاجتماعي وكرست المحاصصة الطائفية.

إن النهوض بالوطن يمر حتما بالإصلاح الذي يبدأ بكسب ثقة من الشعب والابتعاد عن الحلول الترقيعية التي تخمد نار الثورة لكن لا تطفئ لهيبها، فلا يجب أن يقتصر الدّور المحوريّ للدّولة على الجانب الاقتصادي بل يتّصل بكلّ الجوانب ومنها الجانب الاجتماعي، توزيع التّنمية توزيعاً جغرافيّاً مدروساً بشكل يتيح للمجتمع أن ينمو في كلّيته دون تفاوت، كما أن وضع حد للفساد كفيل ليس فقط في حفظ حقوق الأمة والمجتمع والدولة في ثرواتها ولكنه أيضاً فعّال في خفض التوتر الاجتماعي.

Email