أجملهن.. يافا القريبة البعيدة!

ت + ت - الحجم الطبيعي

في السيارة قلت لصديقي: ماذا لو اتجهنا يميناً فاللافتة أمامنا تشير إلى الجسر. نمر بأريحا، نتذوق موزها، نزور آثارها ثم نتوجه إلى القدس، نتناول الكعك بالسمسم، نغمسه بالزعتر أو نحشوه بالفلافل، نصلي الظهر في الأقصى، نزور كنيسة القيامة، ومن هناك إلى يافا، نجلس في مطعم على البحر، نطلب الكثير من السمك الطازج، وفي المساء نعود.

نظر إليّ مستغرباً وقبل أن يتكلم قلت له: ما بك؟ من هنا، من الشونة إلى القدس لن يستغرق الوصول أكثر من ساعة، ومن القدس إلى يافا نصف ساعة.

قال: هل أصابك مسٌّ من جنون؟ قلت: لا بل مسٌّ من الحنين، وهو أكثر وجعاً من الجنون.

لم أدعه يكمل وواصلت «جنوني»، قلت له: قبل نكبة 1948، كان ذلك ممكناً، كانت الناس تذهب إلى يافا صباحاً، يسبحون في البحر، يأكلون السمك في مطعم على الشاطئ، يزورون أقاربهم في حي العجمي أو المنشية، ويعودون في المساء محملين بالبرتقال والليمون.

كان كل ذلك يا صديقي ممكناً، لم يكن ثمة «إسرائيل»، فاليهود أتوا إلى فلسطين بعد أن انطلت عليهم كذبة هرتزل والحركة الصهيونية بأن فلسطين «أرض الميعاد»، وأنها بلا شعب، وبعد الحرب العالمية أتت أعداد أكثر منهم هرباً من النازية. أهل فلسطين الطيبون أشفقوا عليهم، أسكنوهم في قراهم ومدنهم وتعايشوا معهم، وبعضهم تزوج منهم، وما دروا أنهم كانوا يتمسكنون حتى يتمكنوا.

لم يكن الفلسطينيون يدرون أن الانتداب البريطاني كان يعد العدة لتسليم بلادهم لليهود بموجب وعد بلفور.

هؤلاء كانوا مساكين في النهار، وفي الليل يتدربون على السلاح الذي كانت تمدهم به بريطانيا أو تسهل وصوله إليهم بحراً عبر البواخر، فشكلوا العصابات الصهيونية التي عرفت بتاريخها الإرهابي مع بدايات تطور الاستيطان الصهيوني في فلسطين، الذي شكل المقدمة لولادة عصابة «هاشومير» الصهيونية عام 1909.

والتي تطورت في ظل الاستعمار البريطاني وأصبحت المنظمة العسكرية السرية للحركة الصهيونية.

ثم تفرعت عنها عصابات: البالماخ، شتيرن، الهاغانا، الأرغون التي ارتكبت مذابح دير ياسين وقبية والدوايمة والطنطورة وبلدة الشيخ وأبو شوشة وغيرها. وبعد إعلان قيام إسرائيل أصبح أفراد هذه العصابات نواة جيش الاحتلال الإسرائيلي، فيما أصبح قادتها رؤساء ورؤساء وزراء إسرائيل ومنهم مناحيم بيغن وإسحق شامير وشمعون بيريز ورابين وشارون.

هل سمعت بقصة الأسترالي ابن يافا؟

العام الماضي قضت محكمة أسترالية بحق المواطن إبرهارد فرانك (79 عاماً) في تسجيل فلسطين رسمياً مكاناً لولادته، وخسرت الحكومة الأسترالية في هذه الدعوى القضائية، بعد قيامها بإزالة اسم فلسطين من طلب جواز السفر الذي قدمه فرانك.

وذكرت محطة «سي إس سي» أن فرانك يهتم جداً بتراثه، وهو نجل لمهاجر ألماني يهودي غير صهيوني إلى فلسطين بعد الحرب العالمية، وقد ولد في عام 1940 في يافا. قال فرانك وسط مكتبة من كتب التاريخ في منزله بمرتفعات أديليد: «طوال حياتي، أخبرني والدي أنني ولدت في فلسطين، ولديّ شهادة ميلاد بعنوان حكومة فلسطين تذكر أنني ولدت في يافا، فلسطين».

وقد حصل فرانك على الجنسية الأسترالية عام 1952، ولكنه عندما ذهب لتجديد جواز سفره الأسترالي في العام الماضي، صُدم عندما وجد أنه تم تسجيل مكان ميلاده على أنه «غير محدد»، على الرغم من أنه ذكر مدينة يافا في فلسطين على طلباته السابقة. وأظهر جوازات سفره العديدة، التي يعود تاريخها إلى عام 1974، وجميعها تذكر مدينة يافا مكاناً لولادته.

كان فرانك غاضباً للغاية ورفع دعوى أمام لجنة حقوق الإنسان. وقد حاولت اللجنة التوسط بينه وبين وزارة الشؤون الخارجية والتجارة، التي تدير عمليات جوازات السفر، واقترح فرانك أثناء الوساطة حلاً وسطاً يتضمن إدراج مكان ميلاده «فلسطين تحت الانتداب البريطاني».

ولكن الوزارة رفضت عرضه بحجة أن سياسة الحكومة هي عدم الاعتراف بدولة فلسطين، وبعد ذلك تم تحويل القضية إلى محكمة فيدرالية قضت بتسجيل مكان ولادته الرسمي على الوثائق الحكومية باسم «يافا، فلسطين تحت الانتداب البريطاني».

هل عرفت يا صديقي لولا هذه الـ«إسرائيل» كم يافا واللد والرملة والقدس ونابلس قريبة؟ وهل تعرف لماذا هي.. بعيدة ؟!!

Ⅶ كاتب أردني

 

Email