انتفاضة العراق...«نريد وطناً»

ت + ت - الحجم الطبيعي

أضاف التقرير النهائي الذي أصدرته اللجنة التي كُلفت بالتحقيق في أحداث انتفاضة الأول من أكتوبر المنصرم في العراق المزيد من الوقود للانتفاضة في فصلها الثاني في الخامس والعشرين من الشهر نفسه.

التقرير بمهادنته أمراء الطوائف أصاب جميع من يتابع الوضع السياسي بخيبة أمل كبيرة في قدرات الحكومة على الإشارة بصراحة وموضوعية إلى الجهات التي تقف وراء الأيدي الآثمة التي أطلقت النار على شباب التظاهرات، الذين لم يحملوا سوى العلم العراقي للتلويح به والاحتماء بقدسيته.

في رمزية لم تتأتى إلا بعد معاناة وضياع دام ستة عشر عاماً من الخداع والتضليل الذي مارسته الطبقة السياسية وأحزابها الطفيلية في تقسيم الشعب العراقي وشرذمته تحت ظلال وارفة من الجار الشرقي الذي لم يألو جهداً في تدمير جميع مرافق الحياة في العراق، بعد أن سيطر إلى حد بعيد على العملية السياسية .

وعلى مفاتيح إعادة إنتاجها كل أربع سنوات في انتخابات مُدجنة في أطر قانون انتخابات صمم لهذا الغرض. عيوب النظام لا حصر لها وخطاياه بحق الشعب هي الأخرى لا حصر لها، فلم تعد هناك نقطة ضوء واحدة تلوح في الأفق البعيد جداً لمستقبل ينتظره الشباب في بلد ثري جداً أثقلته السياسات الفاشلة والفساد المستشري بالديون.

ورهنت مستقبله بإرادة الجار الشرقي الذي شمر عن ساعديه منذ العام 2003 للسيطرة على العراق وتغيير هويته وسلبه سيادته. لخص شباب التظاهرات جميع مطالبهم بمطلب واحد «نريد وطناً» في صفعة بالغة الشدة في وجوه الأحزاب السياسية التي سلبتهم وطنهم وارتهنته للأجنبي.

الانتفاضة رغم هيئتها المطلبية إلا أنها في جوهرها انتفاضة وطنية من أجل التحرر والكرامة واستعادة الوطن المنهوب، حيث أسقط الجمهور الثائر الحصانات التي طالما اختفى تحت مظلاتها أمراء الطوائف وفرسان العملية السياسية، فلم يعد الخوف والتهيب هو من يتحكم بعلاقة هذا الجمهور بالعمامة الدينية الزائفة، ولا بالوجاهة المجتمعية التي عقدت صفقة الشيطان مع مافيات الفساد.

الانتفاضة صدعت العديد من الجدران الطائفية والمناطقية الزائفة التي أنشأتها الطبقة الحاكمة لبناء نفوذها وتثبيت دعائمه، فقد تراجعت الولاءات الطائفية العمياء التي تلاعبت بعقول البسطاء ومشاعرهم، وعاد السلم الأهلي إلى المجتمع بعد أن اتحدت الحناجر واختلطت الدماء في ساحات الغضب.

حيث استعاد الجيل الجديد، جيل القرن الحادي والعشرين زمام المبادرة في مسيرة شبابية مفعمة بالعنفوان والتصميم نحو المستقبل وسط همجية المشهد الذي يغطيه دخان القنابل ويلعلع فيه أزيز الرصاص.

الطبقة السياسية تعيش حالة تخبط غير مسبوق، فالبعض يتحدث عن مؤامرة، والبعض يسارع لتقديم مقترحات سبق أن اجترت مراراً وتكراراً، وخلال ذلك تعمد السلطات الأمنية إلى ممارسة أقصى درجات القمع والعنف المفرط للإبقاء على الأوضاع السائدة على حالها.

إذ يبدو أن الطبقة السياسية الحاكمة قد فقدت الحس بحقيقة وضعها، فهناك أمر على درجة كبيرة من الأهمية تتجاهله هذه الطبقة، وهو الانفصام التام عن الشعب وحقوقه وطموحاته، الشعب بشرائحه المتعددة لم يعد له أية ثقة بهذه الطبقة التي حرمته من أبسط حقوقه في حياة كريمة.

فحزم الإصلاحات التي قدمها رئيس الوزراء والأخرى التي قدمها المجلس النيابي لاقت آذاناً صماء في الشارع الغاضب الذي فقد الثقة تماماً بهؤلاء وبقدراتهم على معالجة مشكلات البلد المسؤولون هم عن صناعتها، فليس هناك ثقة بوجود إرادة حقيقية للإصلاح.

المشهد بشكل عام متجه نحو التصعيد خاصة مع استمرار تجاهل الأسباب التي أدت إلى اندلاع الانتفاضة، هناك أزمة عميقة تعصف بالعراق من الخطأ مقاربتها بحلول أمنية، فذلك يزيد من عمقها والتهابها، لأنها أزمة النظام السياسي القائم الذي دأب على تكرار فشله عاماً بعد عام منذ 2003.

فالغضب الشعبي موجه بالدرجة الرئيسية نحو الأحزاب السياسية التي تسيدت المشهد على مدى هذه السنوات الطوال، وهو ما يفسر رفض الجمهور قبول أي من منصاتها أو ما يشير إلى هويتها في رحاب ساحات الانتفاضة. الجمهور بانتفاضته يعبر عن حقيقة مهمة، وهي أنه تجاوز في وعيه قدرات القيادات الحزبية التي دأبت على استعباده.

وتجاوز بذلك قدرات هذه القيادات على الاستمرار بتخديره بشتى الطروحات الزائفة باسم الدين أو الطائفة أو العرق أو غير ذلك مما تتمسك بها وتشهر ما تراه مناسباً منها للتبرقع به حسب المناسبات.

Ⅶ كاتب عراقي

 

Email