الطفل الأغنى من بيل غيتس

ت + ت - الحجم الطبيعي

كانت تجلس في المطعم الراقي تتناول غداءها. لمحت من خلال الزجاج طفلاً فقيراً يمعن النظر إليها. أشارت إليه أن يأتي. أسرع الطفل إليها، سألته: هل أنت جائع؟

هز رأسه بنعم كبيرة. أجلسته قبالتها وطلبت له الطعام نفسه الذي كانت تأكله. جاءها النادل بطبق الطعام. قالت للطفل: تفضل. وأكملت غداءها بشهية لم تشعر بها من قبل. وعندما همت بالمغادرة طلبت الحساب فجاءها النادل بطبق وورقة ظنت أنها الفاتورة كتب عليها صاحب المطعم: الحساب صفر، فليس للإنسانية ثمن يا سيدتي!

ثمة مشاعر لا تقدر بثمن وثروة لا تحسب بالمال. فقد سئل الملياردير بيل غيتس: هل يوجد في العالم من هو أغنى منك؟ قال: نعم هناك شخص واحد أغنى مني. فقالوا: ومن هو؟ قال: منذ سنوات مضت عندما أكملت دراستي، وكانت لدي أفكار لطرح مشروع المايكروسوفت، كنت في مطار نيويورك فوقع نظري على بائع للجرائد، فأعجبني عنوان إحدى الجرائد التي يحملها.

أدخلت يدي في جيبي لكي أشتري الجريدة إلا أنه لم يكن لدي من فئة العملات النقدية الصغيرة فأردت أن أنصرف. فإذا ببائع الجرائد وهو صبي أسود يقول لي: تفضل هذه الجريدة مني لك. فقلت له: ليس لدي قيمتها من الفئات الصغيرة، فقال: خذها فأنا أهديها لك.

بعد ثلاثة أشهر من هذه الحادثة، صادف أن رحلتي كانت في المطار نفسه ووقعت عيني على جريدة، فأدخلت يدي في جيبي فلم أجد أيضاً نقوداً من فئة العملات الصغيرة، وإذا بالصبي نفسه يقول لي: خذها. فقلت له: يا بني قبل فترة حصل الموقف نفسه وأهديتني جريدة، هل تتعامل هكذا مع كل شخص يصادفك في هذا الموقف؟ فقال: أجل. فأنا عندما أعطي. أعطي من كل قلبي. وهذا الشيء يجعلني أشعر بالسعادة والارتياح.

يقول بيل غيتس: هذه الجملة ونظرات هذا الصبي بقيت عالقة في ذهني وكنت أفكر دائماً. ترى على أي أساس وأي إحساس يقول الصبي هذا.

وبعد مرور 19 سنة، عندما وصلت إلى أوج قدرتي المالية، وأصبحت أغنى رجل في العالم قررت أن أبحث عن هذا الصبي لكي أرد له جميله، فشكلت فريقاً وقلت لهم اذهبوا إلى المطار، وابحثوا عن الصبي الأسود الذي كان يبيع الجرائد وبعد شهر ونصف من البحث والتحقيق وجدوه وكان يعمل حارساً في أحد المسارح. فقمت بدعوته إلى مكتبي وسألته هل تعرفني؟

فقال: نعم.. أنت السيد بيل غيتس، فالجميع يعرفك، فقلت له قبل سنوات مضت عندما كنت صغيراً وتبيع الجرائد أهديتني جريدتين لأني لم أكن أملك نقوداً من الفئات الصغيرة لماذا فعلت ذلك؟

فقال: لا يوجد سبب محدد، ولكني عندما أعطي شيئاً دون مقابل أشعر بالراحة والسعادة، وهذا الشعور يكفيني. فقلت له: أريد أن أرد لك جميلك فاطلب ما تشاء.

فقال: كيف؟

قلت: سأعطيك أي شيء تريده...فقال وهو يضحك: أي شيء أريده. هل تعني هذا فعلاً؟ فقلت نعم: أي شيء تطلبه. فقال: شكراً لك يا سيدي، ولكني لست بحاجة لأي شيء. فقلت له: بل يجب أن تطلب فأنا أريد أن أعوضك.

فقال لي: يا سيد بيل غيتس لديك القدرة لتفعل ذلك، ولكن لا يمكنك أن تعوضني.

فقلت له: ماذا تقصد. وكيف لا يمكنني تعويضك. فقال: الفرق بيني وبينك أنني أعطيتك وأنا في أوج فقري وحاجتي، أما أنت الآن تريد أن تعطيني وأنت في أوج غناك وقوتك وهذا لن يعوضني. ولكن لطفك هذا يغمرني، فشكراً لك يا سيدي.

يقول بيل غيتس كلماته هذه جعلتني أشعر أنه أغنى مني. لأن أفضل أنواع العطاء هو العطاء الذي تعطيه وأنت محتاج، وهذا هو ما فعله الصبي معي، لذلك هو أغنى مني.

كم هو غني بالمال هذا العالم وكم هو فقير بالإحساس. إنها الإنسانية التي استبيحت، فصارت قرباناً لآلهة الحرب وشياطين الخراب!

* كاتب أردني

 

Email