بوتين في الخليج.. وإحياء دور روسيا الدولي

ت + ت - الحجم الطبيعي

كثيرون كتبوا عن الزيارة التاريخية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى كل من: المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات الأسبوع الماضي وناقشوا مستقبل العلاقات الروسية مع منطقة الخليج تحديداً.

إلا أن علينا أن نوسع دائرة قراءة أبعاد تلك الزيارة بحيث لا يقتصر الأمر فقط على متابعة أخبارها والاتفاقيات التي وقعها بوتين خلال تلك الجولة التي لفتت أنظار عواصم غربية إليها، وإنما أن يكون التركيز على الدلالات والاحتمالات بأبعادها المختلفة التي يمكن أن تحدث على المنطقة في المدى المتوسط والبعيد، أقلها تفكير قادة روسيا بطريقة خروجها من مصر عندما كانت تمثل المعسكر السوفييتي في السبعينيات ويوم تأتي الفرصة لعودتها وبرغبة مشتركة من دول المنطقة ومن قادة روسيا، فبحسابات العلاقات الدولية بوتين كسب نقطة استراتيجية ليس ضد دونالد ترامب وإنما ضد الولايات المتحدة.

المنطقة تعيش حالة من إعادة التشكل الجيوسياسي، وبالتالي هناك رغبة من العديد من الدول التي كانت يوماً ما متواجدة هنا سواء بحكم الهيمنة أم بحكم أنها كانت قوى دولية كبرى يوماً ما مثل بريطانيا وفرنسا بالتواجد فيها، إما خلال قضايا تاريخية أو وفق العلاقة الاستعمارية، وهذه الرغبة مبنية بفعل حالة التراجع المرغوبة من الاستراتيجية الأمريكية، والتي أوضحتها الإدارات الثلاث الأخيرة، ويبدو أن الإدارات المقبلة ستلحقها، وبالتالي فإن ظهور روسيا هنا يعد مقدمة لأن نرى تغييرات في طبيعة العلاقات بينها وبين القوى الدولية والإقليمية المتنافسة على النفوذ في المنطقة فيما يخص قضايا المنطقة.

إن التواجد في منطقة الشرق الأوسط هو بحد ذاته تعبير عن مكانة الدولة الكبرى في السياسة الدولية، وعليه يكون التواجد فيها كمن يضع بلاده في مقدمة الدول القائدة لسببين: المخزون النفطي والأهمية الاستراتيجية للمنطقة.

وحسب فهم السياسة الروسية فإن أفضل مكان للانطلاق نحو التأثير في منطقة الشرق الأوسط هي منطقة الخليج العربي، لذا كانت لها مساعيها للوصول إليها، وقد جاءت الفرصة في لحظة تاريخية مهمة ومن دولتين تعتبران عاصمة القرار العربي هما السعودية والإمارات.

ويختلف التعامل الروسي في المنطقة عن التعامل الأمريكي، فروسيا معروفة بسياستها «البراغماتية»، وسيكون تعاملها من باب التأثير في قرارات الدول المتجاورة بما يحقق لها مصلحتها، ولروسيا ميزة أو قيمة مضافة سياسياً يمكن الاستفادة منها في تهدئة المنطقة المليئة بالاختلافات أنها تحتفظ بعلاقات ودية مع كل الأطراف المختلفين في المنطقة.

حيث نجد مثلاً، روسيا التي تحسن علاقتها مع العرب والخليجيين بشكل خاص لديها علاقة متميزة مع الطرف الآخر من أسباب الأزمات سوريا وإيران وتركيا ما يعني أن احتمالات التفاهم حولها بصورة ترضي الأطراف أمر وارد، لكن وحتى لا نرسم صورة وردية فإن الأمر لن يخلو من خلافات وصعوبات، كون أن الطرف الآخر بطبيعته لا يود التعامل بطريقة دبلوماسية، أو عادة ما يتشدد في مواقفه، لكن المقصود أنه سيكون هناك سيطرة ولو نسبية لحالة الانفلات الذي تفعله بعض الدول الإقليمية.

لروسيا تأثيرها الذي بناه بوتين بصبر ونفس طويل، حتى أصبح اليوم أقرب لدول المنطقة من الولايات المتحدة، التي باتت مواقفها موضع شك واستفهام، خاصة بعد أكثر من موقف سياسي يؤكد أنها لن تتردد في أن تقوم بأي موقف قد يضر بحلفائها العرب.

نستطيع القول إن بوتين نجح في هذه الزيارة أن يقدم بلاده باعتبارها دولة لديها القدرة على إعادة التوازن في المنطقة التي تعاني فراغاً سياسياً من خلال ارتباطها بعلاقة تقليدية مع إيران وعلاقة صاعدة مع تركيا، وهما الدولتان المشاغبتان في المنطقة، وهذا أمر ضروري ومفيد للدول العربية أكثر مما يطرح في الإعلام وهو الحصول على الأسلحة، التي تهم روسيا أكثر كمبيعات.

كما أنه نجح في عدم تقديم بلاده باعتبارها قوى منافسة للنفوذ للولايات المتحدة والصين، وتبحث عن نفوذ حقيقي كي لا يوتر المنطقة أكثر مما هي، وكي لا يقلق دول المنطقة من توجهاته الجديدة في الاستفادة من اللحظة التاريخية في تحقيق حلمه السياسي، بإعادة روسيا قوى دولية.

Email