المستقبل مراقب بالرادار

ت + ت - الحجم الطبيعي

وفقاً للأب الروحي للذكاء الاصطناعي عالم الحاسوب «جون مكارثي» فإن مصطلح «الذكاء الاصطناعي» هو «علم هندسة إنشاء آلات ذكية، وبصورة خاصة برامج الكمبيوتر، فهو علم إنشاء أجهزة وبرامج كمبيوتر قادرة على التفكير بنفس الطريقة التي يعمل بها الدماغ البشري، تتعلم مثلما نتعلم، وتقرر كما نقرر، وتتصرف كما نتصرف»، وهذا هو الحاضر الذي نستعد لدخوله في المستقبل بشكل أكبر وأوسع.

خلال زيارتي لمعرض «جايتكس» والذي يقام كل عام في دبي لعرض أبرز التطورات التكنولوجية شاهدت الكثير من التقنيات في مختلف المجالات، ولكن ما يجذب الانتباه ويجعلنا نقف عند كلمات «جون مكارثي» ونقول له إن تعريفك للذكاء الاصطناعي كان ناقصاً ومنقوصاً في الكثير من الأمور، فما يعرض حالياً وأقول حالياً للتركيز على أن ما سيأتي في المستقبل أكبر وأشمل وأعمق وأكثر تطوراً، فالنماذج المعروضة في المعرض من الروبوتات ليست قادرة على التفكير واتخاذ القرار فقط بل تحس أيضاً ولديها ردة فعل نابعة من قلوب مبرمجة إن صح التعبير، ليس هذا فقط بل هي قادرة على التعايش مع الحياة البشرية، وفي المستقبل سنجدها تفرح وتغضب وسيكون لها رأي وردة فعل في كل ما يدور من حولها، ولا أقصد هنا أنه يتم برمجتها لإصدار ردة فعل معينة تجاه تصرف معين كما يحدث في بعض الإشارات الذكية التي تصدر ردة فعل تجاه شيء معين، ولكن أقصد أن هذه الآلات بدأ العمل فعلياً لجعلها تحلل البيئة التي حولها وتصدر ردة فعل نابعة من أسلوب تفكيرها ورأيها الخاص.

المستقبل مراقب بالرادار فعلاً والنجاح فيه لمن يستطيع التقاط الأفكار الناجحة، وهذا ما يتجسد في منافسة الشركات التكنولوجية لبعضها البعض، فخلال المعرض «معرض جايتكس» شاهدت شركات يتجمهر العالم حولها متغاضين وعازفين عن شركات أخرى لها اسمها ووزنها في هذا المجال، ولكن هذه الشركات لم يكن على رادارها الاستعداد للمستقبل، ولم تكن تتخيل يوماً أن كراجا في بيت أو مرآبا صغيرا سيصبح بعد بضع سنوات من أكبر رواد التكنولوجيا في العالم، وهذه الشركات التي يتجمهر حولها الآلاف من الناس إن لم تواكب التطور وتسبقه سيعزف عنها روادها وستصبح جزءاً من الماضي هي أيضاً.

العالم يتنافس لصناعة المستقبل، والناجح هو من يراقب المستقبل عن كثب كما لو كان راداراً يتصيد التطورات هنا وهناك، ويحاول استغلال ما يدور من حوله ليصبح جاهزاً لمواكبتها، والمواكبة لا تصنع النجاح إنما تبقيك في السوق، ولكن تطوير ما هو موجود هو النقلة النوعية التي ستجعلك تنطلق كالصاروخ، والحديث هنا للمؤسسات وللشركات وللحكومات والأفراد وأيضاً للآلات فهي أيضاً لها نصيبها من بيئة التطور المستقبلي ورسالتنا لها اليوم ستصل لها في قادم السنوات.

على الرغم من أن الإنسان ضعيف بقدراته أمام قوة التكنولوجيا وقدراتها إلا أن الإنسان قادر أن يكتب النجاح ويستغل ما حوله من أدوات ليصنع مستقبله، فمن هو هذا الإنسان، هو ذلك الشخص الذي يراقب بحرفية ما يدور من حوله من أمور وما يستجد في مجاله من تكنولوجيا ويستعد لأن يكون جزءًا منها، وكذلك هي الشركات والمؤسسات والحكومات ممن تريد أن تكون جزءًا من المستقبل لا جزءًا من الماضي.

المستقبل مراقب بالرادار وسيبقى كذلك، وستظل التغيرات العالمية واختلاف موازين القوى وصعود وسقوط الأنظمة مرهون بالتطور والقدرة على توظيف هذه التطورات لخدمة الإنسان، وعلى الجميع أن يركز على كيفية المواكبة وكيفية استغلالها للنهوض من مستنقعات الدمار، فبالدرجة التي يهوي بها الإنسان تحت الأرض بنفس الدرجة أو ربما بأسرع منها بكثير يصعد كالصاروخ في عوالم كثيرة، وكل شخص وكل حكومة وكل دولة لها الخيار في اختيار الاتجاه الذي يناسبها.

الرادارات أنواع كثيرة فمنها من يلتقط صور التطور والحداثة، وبعضها يلتقط صور الدمار، إحداها يأخذك لعوالم فوق السحاب والآخر يهوي بك لعوالم تحت الأرض، وسيبقى قرارك هو الاختيار أين ستكون وجهتك، وهل ستبقى في مرآب منزلك أو تصعد لشقتك في أعلى برج في العالم.

Email