زيارة بوتين للإمارات.. الأهمية والدلالات

ت + ت - الحجم الطبيعي

انطوت الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، والترحيب الذي قوبلت به هذه الزيارة على المستويين الرسمي والشعبي، على العديد من الدلالات المهمة، أولها: ما أصبحت تتمتع به دولة الإمارات العربية المتحدة من ثقل ومكانة كبيرتين على المستويين الإقليمي والدولي، بحيث أصبحت تشكل محطة رئيسية في جولة أي مسؤول دولي، يهتم بمنطقة الشرق الأوسط وقضاياها، وهو أمر يؤكد سلامة ونجاح وتميز السياسة الخارجية، التي تنتهجها القيادة الإماراتية الرشيدة، حفظها الله، والتي ضمنت للإمارات وقيادتها وشعبها تقدير واحترام قادة وشعوب دول العالم المختلفة.

وثانيها، نجاح دولة الإمارات العربية المتحدة وقيادتها الرشيدة في بناء شبكة علاقات متوازنة مع مختلف القوى الدولية، بما يخدم مصالحها الوطنية.

استضافت دولة الإمارات رئيس دولة كبرى بحجم روسيا الاتحادية، التي أبرمت معها الدولة اتفاقية شراكة استراتيجية في العام 2018، وقبل أقل من ثلاثة أشهر استقبلت الرئيس الصيني شي جين بينغ، التي تربط الإمارات معها أيضاً اتفاقية شراكة استراتيجية، في الوقت الذي تمضي فيه الإمارات بقوة في تقوية وتعزيز تحالفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية، ومع باقي القوى الدولية الأخرى، وهو أمر يتيح للإمارات هامشاً مهماً من حرية الحركة على الساحة الدولية ويوفر لها بدائل متعددة لتحقيق أهدافها ومصالحها الوطنية والإقليمية، أما الدلالة الثالثة فتتعلق بأهمية روسيا نفسها، باعتبارها لاعباً دولياً وإقليمياً مهماً، ولها دور وتأثير فاعلان في العديد من الأزمات والقضايا الإقليمية، كالأزمة الإيرانية؛ والأزمة في سوريا التي تتواجد فيها روسيا عسكرياً، إضافة إلى دورها المتنامي في الملفات الإقليمية الأخرى، ودورها لاعباً مهماً في أسواق الطاقة العالمية، ومن ثم فإن بناء علاقات قوية واستراتيجية معها يمكن أن يسهم في تحقيق الأمن والاستقرار الإقليميين، ويخفض مستوى التوتر في منطقة الشرق الأوسط.

لقد اكتسبت هذه الزيارة أهمية كبيرة على مستويين، الأول مستوى العلاقات الثنائية الإماراتية- الروسية، التي يتوقع أن تشهد دفعة قوية في المرحلة المقبلة، ولا سيما مع تعهد قيادتي البلدين بالعمل على تطويرها على المستويات المختلفة، فحجم الصفقات التي تم توقيعها خلال الزيارة، والذي بلغ نحو 1.4 مليار دولار أمريكي، كما أعلن الرئيس بوتين، يقترب من إجمالي قيمة التبادل التجاري بين البلدين، والتي بلغت نحو 1.7 مليار دولار في عام 2018.

وهناك العديد من مجالات التعاون التي تفتح آفاقاً واسعة لتعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية بين البلدين، ولا سيما مجال الطاقة التقليدية والنووية، ومجال استكشاف الفضاء؛ حيث كان لروسيا دور مهم في إنجاح مهمة رائد الفضاء الإماراتي هزاع المنصوري إلى محطة الفضاء الدولية، أشاد به صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهذا الدور يمكن أن يتعزز مستقبلاً مع سعي الإمارات لتحقيق حلمها في إرسال أول مسبار عربي إلى كوكب المريخ بحلول اليوم الوطني الخمسين للدولة عام 2021.

المستوى الثاني، هو المستوى الإقليمي، حيث جاءت الزيارة في توقيت تشهد فيه المنطقة تصعيداً في منسوب التوتر في العديد من ملفاتها، ولا سيما في ملف الأزمة الإيرانية، ملف التدخل العسكري التركي في شمال سوريا، وقضية الصراع في اليمن وفي ليبيا وغيرها، ومن ثم فقد مثلت فرصة مهمة لتبادل وجهات النظر بين قادة البلدين، بشأن أفضل السبل لتحقيق الاستقرار الإقليمي، والدور الذي يمكن أن تلعبه موسكو في تحقيق الاستقرار الإقليمي بما لها من علاقات جيدة مع مختلف القوى الإقليمية.

وثمة قضية أخرى مهمة تمثل نقطة توافق كبيرة بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية روسيا الاتحادية، وهي تلك المتعلقة بموقف البلدين المناهض للتنظيمات المتطرفة والإرهابية، التي لا تزال تشكل تهديداً خطيراً لأمن، واستقرار العديد من دول المنطقة والعالم، وتحتاج مواجهتها إلى تنسيق المواقف الإقليمية والدولية.

لقد عكست الزيارة المهمة والتاريخية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدولة الإمارات العربية المتحدة، والاتفاقيات التي تم توقيعها خلالها، لتعزيز التعاون بين البلدين في المجالات المختلفة، وما رافقها من مظاهر ترحيب واحتفاء كبيرين بضيف البلاد الكبير، وقوة ومتانة وتطور العلاقات الإماراتية- الروسية، والمستوى الذي وصلت إليه علاقات الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، وما ينتظرها من تطور في ظل حرض قيادتي البلدين على الدفع بها إلى آفاق أرحب في المجالات المختلفة، بما يخدم مصالح البلدين والشعبين الصديقين، وهو ما يجعلنا متفائلين بأن تفتح هذه الزيارة المجال واسعاً أمام تحقيق قفزة نوعية مهمة في العلاقات بين البلدين في المستقبل المنظور.

Email