«جماعة الإخوان انكسرت وفقدت القدرة على الحشد والتعبئة»، تلك هي الخلاصة التي يخرج بها من يقرأ التقرير المهم الذي نشرته صحيفة «الفاينانشيال تايمز» البريطانية يوم الخميس على لسان مراسلها في إسطنبول أندرو إنغلاند.

تقرير الصحيفة البريطانية وصف أوضاع الإخوان بأنها حركة مكسورة، تحاول أن تظهر بأنها لا تزال ذات صلة، ولها دور ووظيفة.

يقول التقرير إن الجماعة يبدو أنها تحولت إلى مجاميع متفرقة في غزة وتونس والمهجر، تتولاها قيادة تراهن على الوقت، وتتوسع داخلها حركة معارضة قوية، تريد لهم أن يعترفوا بالواقع، ويتعلموا من دروس الماضي، تقرير الصحيفة يشير إلى قول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في نيويورك في سبتمبر الماضي، أنه لن يحدث أي استقرار في المنطقة، طالما هناك حركات إسلام سياسي تطمح في السلطة، وأن الشعب المصري يرفض هذا النوع من الإسلام السياسي، في تقرير الصحيفة البريطانية فإن السيسي، لخص الأمر في عبارة «إن واجبه كرئيس أن يضمن استقرار البلد من التهديد الأكبر وهو الإخوان».

الخلاصة التي يصل إليها تقرير الفاينانشيال تايمز، هو أن الجماعة التي كانت تزعم ذات يوم، أنها المنظمة الأكثر نفوذاً في العالم العربي، تحولت إلى مجرد شبكة تحرك جماعات مثل «حماس» الضعيفة والمفككة، وقادتها في مصر قابعون بالسجون.

ونتيجة لذلك فقد أصبحت تعتمد على قيادات شاخت مثل إبراهيم منير المقيم في لندن، ومحمود حسين المقيم في إسطنبول.

«خلية إسطنبول» كما يسميها تقرير الفاينانشيال تايمز، صارت تتوسع في انتقاد قيادات الحركة، ويصفونهم بالتحجر وعدم الاستعداد للتعلم من أخطاء الماضي.

ونقل التقرير عن يحيى حامد وزير الاستثمار في عهد حكم الإخوان، دعوته إلى الاعتراف بالواقع، والإقرار بأن الجماعة «تضعضعت»، وأن عمرو دراج انسحب من الجماعة احتجاجاً على الطريقة التي تدار بها، ناهيك عن الأخطاء التي ارتكبوها في سنة حكمهم!! انتهى الاقتباس من تقرير الفاينانشيال تايمز، وربما يمكن أن نخرج منه باستخلاص مهم جداً وهو أن الجماعة التي كانت تزعم أنها الأكثر تأثيراً وانتشاراً عربياً وإسلامياً، صارت تعتمد على المقاول محمد علي، ورأت في الفيديوهات التي بثها نصراً يكفيها!

هذه نقطة جوهرية لم يلتفت إليها أحد، وهي أن الجماعة تقر بوضوح، أنها لم تعد قادرة على الحشد والتأثير، وحينما تسير خلف فيديوهات محمد علي، فالمعنى الرئيسي أنها فقدت معظم أوراقها.

كانت الجماعة تستطيع حشد مئات الآلاف من أنصارها برسالة على الهاتف لمسؤولي المكاتب الإدارية، هي جربت كل ذلك طوال السنوات الأربع الماضية في مصر، وفشلت.

قد تتحجج بأنها تتعرض لضربات أمنية موجعة، ولكنها هي نفسها كانت تتباهى، بأنها تتغلب على كل المحن، وأنها قادرة على الحشد في كل الظروف!! فما الذي منعها من ذلك إذا كان زعمها صحيحاً؟!

المؤكد أن السلطات الأمنية المصرية تمكنت من توجيه ضربات موجعة للجماعة، وعلى حد تعبير مسؤول أمني سابق رفيع المستوى، فقد قال لي منذ عامين: «لقد تمكنا من كسر العمود الفقري للجماعة بفضل الاستهداف المتواصل وسياسة تجفيف المنابع».

لكن المؤكد أيضاً أن الجماعة لم تتلاش حتى الآن، ولا تزال قادرة على المناورة. التطور الأخير يشير بوضوح، أنها صارت تعتمد على آخرين مثل المقاول والممثل الثانوي محمد علي، أو تعتمد على بعض أخطاء الحكومة، لكنها فقدت القدرة على المبادرة والحشد والمناورة.

وللموضوعية فإن «فيديوهات محمد علي» لم تكشف فقط جماعة الإخوان، لكنها كشفت أيضاً خواء كل القوى والتنظيمات والأحزاب السياسية المصرية المؤيدة والمعارضة وما بينها. هي كشفت لنا أن هؤلاء لم يعد لديهم أي تأثير يذكر في الشارع السياسي المصري، سواء في جذب الجماهير للتأييد أو المعارضة.

هذه الحالة شبيهة - مع الفارق - بما حدث في المرحلة الأولى من الانتخابات الرئاسية التونسية، حيث وجه الناخبون صفعة قاسية لكل القوى التقليدية وفي مقدمتهم جماعة الإخوان، التي خرج مرشحها عبد الفتاح مورو من السباق تماماً.

إذاً الخلاصة أن ما حدث في مصر أخيراً، وكذلك في تونس، ورغم الاختلاف بين الحالتين، فإن الدرس الأساسي يشير إلى أن ما كان يعتقده البعض من قوة خارقة لجماعة الإخوان، ثبت أنه خرافة كبيرة!