الإخوان ودرس انتخابات تونس

ت + ت - الحجم الطبيعي

الدروس المستفادة من الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية التونسية الأخيرة، وكذلك النتائج الأولية للانتخابات التشريعية التي جرت يوم الأحد الماضي، متعددة ومهمة للغاية، وقد تحدث فيها الكثير من الزملاء والأساتذة بصورة موسعة عن دلالاتها، وآثارها.

الملاحظة الجوهرية التي تحدث فيها كثيرون، هي التراجع الكبير للقوى السياسية التقليدية. لكن في هذه السطور سأركز فقط علي الهزيمة المدوية لحركة النهضة الإخوانية، حيث إن مرشحها عبد الفتاح مورو خرج من السباق من المرحلة الأولى، حيث حل ثالثاً ولم يحصل إلا على ١٢٫٩٪ ممن أدلوا بأصواتهم.

في حين كانت المفاجأة أن الناخبين التونسيين الذين توجهوا لصناديق الانتخابات، وهم حوالي ٧ ملايين ناخب بنسبة مشاركة بلغت ٤٥٪، قد اختاروا شخصين من خارج المشهد السياسي التقليدي تماماً لكي يخوضا السباق النهائي خلال أيام وهما أستاذ القانون قيس السعيد، ورجل الأعمال والإعلام نبيل القروي المسجون حالياً. الأول حصل على ١٨٫٤٪ والثاني حصل على ١٥٫٦٪.

أعود إلى النقطة المهمة وهي النسبة المتدنية جداً التي حصل عليها مرشح النهضة الإخوانية.

سيسأل سائل، ويقول ولماذا تركز فقط على مرشح النهضة، في حين أن مرشحي بقية القوى التقليدية، فشلوا أيضاً، مثل وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي «١٠٫٧٪»، إضافة إلى يوسف الشاهد «٧٫٤٠٪»، الذي حل خامساً؟.

والإجابة ببساطة أن أياً من هؤلاء لم يزعم في أي وقت من الأوقات أنهم يمثلون الأغلبية، أو تدعي أحزابهم أنها لديها مهمات وتكليفات سماوية، مقارنة بما هو شائع عن تنظيمات وفروع جماعة الإخوان، التي يؤمن بعضها بفكرة «أستاذية العالم».

انتخابات الرئاسة في تونس، والتي جرت مبكراً بعد وفاة الرئيس باجي قايد السبسي، شهد لها الجميع بالنزاهة الكاملة، ويكفي أن رئيس الوزراء ووزير الدفاع قد حلا في المرتبة الرابعة والخامسة. وبالتالي، فلا يمكن لأي مرشح، الادعاء بوجود تزوير أدى لهذه النتيجة التي فأجات الجميع.

النقطة الأخرى أن غالبية المراقبين السياسيين العرب يتعاملون مع قضايا المنطقة بنظرة جامدة. غالبيتهم توقعوا أن يحل مرشح النهضة أولاً، لكنه خرج تماماً من السباق.

هؤلاء المحللين يشبهون بعض نقاد الرياضة عندنا، فحينما تتقابل منتخبات مثل البرازيل أو ألمانيا أو فرنسا، مع أي منتخب آخر، فالاعتقاد البديهي هو فوز هذه الفرق، رغم النتائج التي صارت متغيرة، وجعلت العديد من الفرق غير المصنفة، تحقق مفاجآت كبرى، كما فعلت مثلاً كرواتيا في كأس العالم الأخيرة.

لدى بعض المحللين العرب اعتقاد جازم بأن جماعة الإخوان، لو خاضت الانتخابات في أي بلد عربي، فستفوز فوراً. علماً أن الانتخابات الأخيرة جرت وحركة النهضة تحتل المركز الأول فعلياً في البرلمان، بعد أن تعرض حزب نداء تونس لانشقاقات كثيرة لأسباب متعددة.

الدرس المهم الذي نستخلصه من نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات الرئاسية التونسية، هو أنه لا توجد مسلمات في عالم السياسة، وأن الأوهام الكثيرة التي لا يزال البعض يعتقدها عن جماعة الإخوان أو غيرها ينبغي أن تتوقف.

حركة النهضة كانت أكثر تعقلاً من «إخوان مصر»، وانحنت للعاصفة التي ضربت حركات الإسلام السياسي، على وقع ثورة المصريين في ٣٠ يونيو ٢٠١٣.

وتمكنت عبر هذا التصرف من الحفاظ على كيانها، لكن الدرس المهم هو أن الناخب التونسي في الأوقات العادية يدلي بصوته بناء على البرامج الاقتصادية والاجتماعية للأحزاب والمرشحين، وليس على أسس ثابتة بمعنى أن هذا إخوان وذاك سلفي أو شيوعي أو ليبرالي.

النهضة وغيرها من الأحزاب التقليدية فشلت فشلاً ذريعاً في تحسين حياة غالبية التونسيين، ولذلك تم عقابهم بلا رحمة في الانتخابات الأخيرة. وبالتالي فاعتقاد أي حزب مثل النهضة، أنه مخلد وسيضمن أصوات الغالبية دائماً ثبت أنه غير صحيح.

من أجل كل ذلك وجب على المحللين والمتابعين الالتفات إلى هذه الحقيقة، وهي أنه عندما تكون الأوضاع طبيعية، ويتمكن الناس من الإدلاء بأصواتهم في ظروف عادية، فإنه لا عصمة للإخوان أو لغيرهم، بل العصمة المؤقتة، لمن يقدم برامج اقتصادية واجتماعية تغير حياة الناس للأفضل، وليس مجرد تقديم وعود جوفاء، شرط أن تكون هناك منافسة عادية ومساواة بين جميع القوى والأحزاب.

سيسأل سائل قائلاً: لكن النهضة حققت المركز الأول، طبقا للنتائج الأولية في الانتخابات التشريعية فكيف تصفها بأنها تتراجع؟

الإجابة بسيطة وهي أن النهضة فقدت في هذه الانتخابات، حوالي نصف مقاعدها السابقة، وذلك يحتاج إلى نقاش لاحق أكثر تفصيلاً.

 

 

Email