الصين في ميلادها السبعين من الشيوعية إلى رأسمالية الدولة

ت + ت - الحجم الطبيعي

احتفلت جمهورية الصين الشعبية بذكرى ميلادها السبعين في الفاتح من أكتوبر الحالي. ويخيل للمراقب أن الصين عبرت قروناً من الزمن منذ تلك الثورة والتي ألقت بظلالها على العالم منذ بداياتها في 1949.

وتعتبر الثورة الصينية، التي قادها زعيمها الراحل ماو تسي تونغ ((26 ديسمبر 1893- 9 سبتمبر 1976)، من أبرز ثلاث ثورات في العالم بالإضافة إلى الثورة الفرنسية 1789، والثورة الروسية 1917. وقد غيرت هذه الثورات الثلاث بلدانها بشكل جذري وتخطت حدودها الوطنية لتؤثر على العالم أجمع.

ومع اندلاع الثورة الشيوعية الصينية، كانت الصين بلداً متخلفاً يعاني من الاحتلال الأجنبي والحكم الإقطاعي والذي عرف في التاريخ الصيني بفترة الإذلال حيث تكالبت الدول الاستعمارية على الصين وعانت البلاد من العوز والفقر لمعظم السكان.

وقد نشبت حرب ضروس بين الوطنيين والشيوعيين والتي استمرت من 1945 إلى 1949، وعرفت هذه الفترة بالحرب الأهلية. وقد تكللت هذه الحرب بإعلان قيام جمهورية الصين الشعبية في أول أكتوبر، 1949.

ومنذ بزوغ النجم الأحمر في سماء الصين، تحولت البلاد إلى المعسكر الشيوعي المناهض للولايات المتحدة والدول الغربية. ودخلت الصين في مواجهة حقيقية مع الولايات المتحدة والتي كانت تقدم الدعم لكوريا الجنوبية في العام 1950، بينما كانت بكين وموسكو تقدمان الدعم إلى كوريا الشمالية.

وبعد حرب طويلة استمرت من العام 1950 إلى 1953، توصلت الأطراف إلى هدنة بين الكوريتين على الخط الفاصل الشهير عرض 38، والذي يشكل الحدود الدولية بين البلدين إلى يومنا هذا.

وشرعت القيادة الصينية إلى تنفيذ برنامجها لخلق مجتمع واقتصاد اشتراكي جديد كبديل للتنمية الرأسمالية. وقامت بإصلاح زراعي في العام 1950 والتي أدت إلى الاستيلاء على أراضي كبار الملاك وقادة النظام السابق وبعض الأجانب.

وقد استقدم خبراء سوفييت للمساعدة في التخطيط وتطبيق السياسات الاقتصادية الاشتراكية والشبيه بالاتحاد السوفيتي. وعمد الحزب الشيوعي لخلق جمعيات تعاونية بين الفلاحين والتي أدت إلى سخط بعض الفلاحين من الملاك المتوسطين للتشارك مع الفلاحين غير الملاك للأراضي.

وبدأ ماو يتحول إلى أيديولوجية متكاملة والتي عرفت بالماوية لها اتباعها في دول العالم النامي. كما أن أساليب القتال في حرب العصابات أخذت طريقها إلى دول العالم الثالث.

وتزامنت صعود الأيديولوجية الماوية مع إطلاق ماو للثورة الثقافية لخلق الشخصية الاشتراكية في الصين في العام 1966. كما أن من أهداف الثورة الثقافية التخلص من بقايا الطبقات التقليدية والرأسمالية. وتقدر ضحايا هذه الثورة بحوالي 500.000 إلى 2.000.000 شخص عند انتهائها في 1976.

وفي عهد ماو صار هناك تحول جيوسياسي في الصين. فقد كان للاختلاف الأيديولوجي بين موسكو وبكين أثر في العلاقة بين البلدين ينذر بمواجهة بينهما.

وقد اشتعلت جبهة الحدود بين البلدين في 1969 وكادت أن تحدث حرباً بين أكبر قطبين شيوعيين في العالم. وتمخض عن هذا الصراع فرصة استطاعت إدارة نيكسون أن تحقق اختراقاً بفتح علاقة مع بكين.

وبعد رحيل ماو في 1976، والتحالف مع واشنطن ضد موسكو، وحسم الصراع لصالح دنغ شياوبنغ، والذي وصل إلى قمة السلطة في 1978، شرعت الصين في اتباع سياسة الانفتاح الاقتصادي وإدخال إصلاحات السوق لإنقاذ الاقتصاد الصيني. وابتدع الصينيون عبارة «اشتراكية اقتصاد السوق» لترويج الإصلاحات الجديدة.

وشملت الإصلاحات تشجيع الملكية الخاصة في الزراعة وإعطاء الحوافز لزيادة الإنتاج الزراعي. كما أن القوانين الجديدة عملت على اجتذاب الرأسمال الأجنبي وفتح الأسواق للاستثمارات الخارجية.

ورغم سيطرة الدولة على قطاعات كبيرة مثل البنوك والنفط إلا أن القطاع الخاص نما بشكل مهول إلى أن أصبح يشكل 70% من إجمالي الإنتاج المحلي في العام 2005. وبلغ معدل النمو حوالي 10% منذ 1978 إلى 2013، والذي يعتبر معدلاً عالياً جداً.

وأصبحت الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم بحساب الناتج المحلي الإجمالي. بل وأصبحت قوة الصين تنافس الولايات المتحدة، ومن المتوقع أن تتفوق الصين على الولايات المتحدة في خلال زمن قريب، مما حدا بأستاذين في العلاقات الدولية، جون ميرشمايير وغراهام أليسن، بأن يتوقعا أن الصين والولايات المتحدة في طريقهما للتصادم المسلح إذا ما استمر نمو الصين وأصبحت القوة العالمية الأولى، كما حصل في حالات كثيرة بين القوة المهيمنة والقوة الصاعدة منذ فجر التاريخ.

وأليسون والذي يؤمن بحتمية التصادم بين العملاقين، يقول إن الصين قد تجاوزت الولايات المتحدة في 20 من مؤشرات القوة مثل الاقتصاد بحساب القوة الشرائية، إنتاج الحديد، جذب الاستثمارات الخارجية، التجارة الإلكترونية استهلاك الطاقة، مصدر للبضائع، والاحتياطي المالي... إلى آخره.

حققت الصين كل هذا في مدة قصيرة بدمج رأسمالية السوق ورأسمالية الدولة. ولكن هل تستطيع الصين تجاوز الاستحقاقات السياسية نتيجة لسرعة دوران عجلة التقدم؟

 

 

Email