ما هكذا يُكافأ القادة يا رجل!

ت + ت - الحجم الطبيعي

«ما هكذا تورد الإبل يا سعد»، مثل عربي مأثور نقوله على طريقتنا إلى عادل عبد المهدي رئيس مجلس الوزراء في العراق تعليقاً على القرار المؤسف الذي اتخذه بصفته القائد العام للقوات المسلحة بإحالة الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي قائد عمليات جهاز مكافحة الإرهاب إلى الإمرة في وزارة الدفاع دون إبداء أسباب لذلك.

لم يحظ قائد عسكري عراقي منذ العام 2003 بما حظي به الفريق الركن الساعدي من تقدير ومحبة واحترام بعد سطوع نجمه خلال سنوات الحرب على الإرهاب. فقد أثبت براعة في القيادة حيث شُبه بالقائد الألماني الشهير المارشال إيرفين رومل، وأبدى شجاعة فائقة في ساحات المعارك وعكس نبلاً وإنسانية في التعامل مع المدنيين في مناطق القتال.

الفريق الساعدي لم يخسر معركة قادها وارتبط اسمه بتحرير معظم المدن من تنظيم داعش وبادر الموصليون عفوياً بدافع المحبة والاعتزاز والعرفان لإقامة نصب له بأموالهم الخاصة كان من المقرر أن يقام حفل إزاحة الستار عنه في التاسع والعشرين من سبتمبر المنصرم إلا أن السلطات المحلية منعت ذلك.

تسريح الساعدي من الجهاز المهم والخطير الذي أتقن العمل والقيادة فيه ونقله إلى الإمرة في وزارة الدفاع المخصصة للمتقاعدين والمعاقبين يأتي في سياق مسلسل إقصاءات لعدد من القيادات البارزة في القوات المسلحة بدأ العمل به في الشهور الأخيرة، ومن المتوقع أن يستمر ليشمل ضباطاً كباراً آخرين من الصنوف القتالية.

القرار رفضه الساعدي واعتبره بمثابة إهانة، وهو محق تماماً في ذلك فهو إقصاء وتجميد وتعبير عن الجحود لما قدمه هذا القائد من خدمات وتضحيات في سياقات الحرب على الإرهاب، إلا أنه كعسكري محترف امتثل للقرار مع نية الطلب المبكر للإحالة على التقاعد.

أثار قرار إقالة الساعدي حملة استياء واسعة في الأوساط الشعبية انعكس في الشجب والاستنكار في وسائل التواصل الاجتماعي للشعبية الواسعة التي يتمتع بها هذا القائد، وخرجت تظاهرات في مدن عدة مطالبة بإلغائه إلا أن رئيس الوزراء قابل كل ذلك بصدود، معلناً أن القرار قد اتخذ وليس هناك مجال لإعادة النظر به.

ومع أن قرار استبعاد الفريق الساعدي قد وُضع في قالب مهني إداري يتعلق بسياقات تدوير الرتب في المؤسسة العسكرية، إلا أن ذلك لا يمكن أن يخفي نكهته السياسية التي لها بعدان، الأول وطني والثاني شخصي. فعلى مستوى البعد الأول يبعث القرار برسالة سلبية جداً ودلالية جداً على ما يحاك للجيش العراقي من مكائد منذ العام 2003.

حيث لا يزال يقبع عدد من كبار قادته في السجون ولا يزال يستهدف، مؤسسة وأفراداً، في كل مناسبة. فالاستياء الشديد والرفض التام لهذا القرار يتجاوز الدفاع عن شخص الفريق الساعدي إلى الدفاع عن الجيش العراقي بدافع القلق على مستقبله، إذ تشير دلائل عدة إلى الاستمرار في استهدافه والعمل على تقزيمه وتهميش دوره.

حيث سبق أن استمعنا منذ وقت قريب إلى من تجرأ بأصوات قبيحة على النيل منه ووصمه بالارتزاق، مطالباً بحله.

أما على مستوى البعد الثاني، الفريق الساعدي مستهدف شخصياً للمكانة المتميزة التي حصل عليها، فسيرته المهنية والشعبية الواسعة التي يتمتع بها تخيف الطبقة السياسية الفاسدة التي تهتز الأرضيات التي تقف عليها أمام الغضب الشعبي العارم لبؤس أدائها، ومن المتوقع أن تتضاعف هذه المخاوف بعد حملة التضامن الواسعة التي شهدناها مع هذا العسكري المتميز.

لا شك أن رئيس الوزراء العراقي على بينة تامة بما للفريق الساعدي من منزلة في أوساط القوات المسلحة وفي الأوساط الشعبية في معظم مدن العراق، فما الذي دفعه لاتخاذ قرار إقصاء الساعدي وإثارة زوبعة جديدة من الاعتراضات على إدارته التي تعاني الكثير من النكسات، خاصة ما أثارته استقالة وزير الصحة والبيئة من تساؤلات.

وما لاقته سياسة القمع التي مارستها إدارته ضد التظاهرات السلمية لحملة الشهادات العليا من استنكارات؟

من المرجح أن عبد المهدي قد تعرض لضغوط شديدة داخلية وخارجية لإصدار قرار إقصاء الفريق الساعدي لأن القوى السياسية المقربة لإيران ليست في حالة صلح معه.

كما أن قيادات الحشد الشعبي هي الأخرى ليست على وفاق معه، فالفريق الساعدي لم تبدر عنه غير المواقف والسلوكيات المنفرة لهؤلاء كقائد عسكري عراقي يتميز بالولاء للوطن، بعيداً عن الانتماءات الضيقة التي روّجتها حقبة الانحطاط الحضاري.

* كاتب عراقي

 

Email