محاولة لفهم المشهد الإقليمي

ت + ت - الحجم الطبيعي

لعله من الصعب بمكان الجزم أو حتى التنبؤ بما يمكن أن تسفر عنه تطورات الأحداث السياسية الجارية في المنطقة كلها، رغم أنها تشير في كثير من الأحيان إلى المزيد من تصعيد التوتر الذي جعل من الإقليم محط أنظار الرأي العام العالمي، لكن الشيء الذي يمكن لنا فعله حتى لا نكون خارج المتابعة هو أن نسجل ملاحظات على المشهد بأكمله ربما ذلك قد يساعد على فهم ما يحصل على الأرض.

وأول تلك الملاحظات أنه منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، أي منذ 18 عاماً ونحن ندرك أن هذا التاريخ قسم الزمن إلى فترة ما قبل الحادي عشر من سبتمبر وفترة ما بعده وأن المشهد العالمي لن يكون نفسه في عملية صياغة النظام العالمي الجديد.

والشيء اللافت في هذا التغيير أنه وقف في دورانه على منطقة الشرق الأوسط فقط دون أن يتوسع إلى أبعد منها بل إن المحدد الثابت في هذا المشهد أن الصراع متركز على المنطقة العربية وأنه لا يريد أن ينتهي أو يضع حداً سواء بالتغير أو بالعودة على ماكان عليه، بل إن القتال بين أبناء الدولة الواحدة مستمر ويتصاعد.

حيث نجد أن الحرب الأهلية موجودة في العراق، وفي ليبيا، وكذلك في سوريا وحتى اليمن أما الفوضى والقلاقل الأمنية والمجتمعية فباستثناء الدول الخليجية الست يكاد الأمر يشمل كل الدول العربية.

ومن تلك الملاحظات أيضاً، أنه من الطبيعي أن نرى تنافس الدول الكبرى في البحث عن مناطق النفوذ وكل يستخدم الأدوات التي يجيد التعامل بها، فإذا كانت الولايات المتحدة اعتمدت على علاقتها التقليدية الممتدة لأكثر من سبعين عاماً مع حلفائها في المنطقة.

فإن روسيا -التي تبحث عن موطئ قدم- تحاول الاستفادة من أخطاء أمريكا في المنطقة لكسب ثقة حلفائها، وتعد نفسها بديلاً لواشنطن التي تستخدم ورقة تيارات الإسلام السياسي أحياناً أو دعاة الحريات «المنفلتة» أحياناً أخرى، أما الصين التي اختارت القوة الناعمة المتمثلة في الاقتصاد وفق مشروع إحياء مشروع «طريق الحرير».

فإن هناك تنافساً إقليمياً أيضاً متمثل في تركيا وإيران النظامين اللذين يحاولان الاستفادة من هذا التنافس في الحصول على حصتيهما الخاصة إما من خلال إثارة الفوضى في المنطقة وبث الرعب بشكل يهدد استقرار الدول الأوروبية أو من خلال ابتزاز الدول العربية باستخدام أذرعها المسلحة سواء الإخوان المسلمين الذين يمثلون أذرع تركيا أو الميليشيات الشيعية التابعة لإيران.

علينا كعرب أن نعترف أن القوى الكبرى التي تضغط على الأنظمة التي اعتادت تجاوز القانون الدولي مثل إيران وتركيا يفترض أن تكون تلك الضغوط تخدم المصلحة العربية إلا أن هذا ليس قاعدة نهائية يمكن الاعتماد عليها بشكل كامل وإلا فإننا قد نتفاجأ بأشياء «مدهشة» وحينها علينا كعرب ألا نستغرب لأننا مررنا في مثل هذه التجربة من قبل.

فالمسألة كلها لا تخرج عن الاختلاف في كيفية تقاسم النفوذ والمصالح أو ما يعرف إعلامياً «الكعكة»، فلو تتبعنا تفاصيل المشهد سنجد أن الكل يدور على الساحة العربية وهذا أمر كاف كي ينتبه العرب إلى مصالحهم بشكل جماعي.

أغلبنا يرفض فكرة «المؤامرة» بأن هناك أيدي خفية تدير ما يحدث في المنطقة بطريقة مدروسة مع أن «المؤامرة» نظرية تدرس في العلاقات الدولية.

ولكن استسهال الأمر دفع لأن يتم رفضها بالكامل، لكن في مقابل ذلك ينبغي علينا ألا نقتنع بأن الغرب بأكمله وكذلك الشرق الآسيوي هم مراقبون فقط فيما يحدث في المنطقة بل إنهم شركاء في تحريك ما يحدث وبشكل مؤثر فالكل يبحث عن مصلحته فلا أحد يمكنه أن يدافع من باب الغيرة على العالم العربي ولا أحد مشغول بمستقبله.

وفق هذا المنطق على العرب التحرك الجماعي من أجل العمل على إيجاد صيغة «تفاهمية» لملء الفراغات السياسية العربية الكثيرة، وإعادة النظر في الخلافات والاختلافات السياسية الموجودة وإلا كان الثمن غالياً.

Ⅶ كاتب إماراتي

 

Email