موغابي والزعامات الكبرى في أفريقيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

غيّب الموت رئيس زيمبابوي السابق، روبرت موغابي، آخر زعماء أفريقيا الكبار يوم 6 سبتمبر الجاري، وبذلك ووري الثرى آخر الزعامات الكبرى في أفريقيا.

وقد ظهرت زعامات كبرى في أفريقيا منذ فجر استقلالها في عام 1960، وقد سيطرت هذه الزعامات على بلدانها لعدة عقود، وأطيح ببعضهم في انقلابات عسكرية كحالة كوامي نكروما زعيم غانا، أو استقال طوعاً مثل جوليوس نيريري، أو خسر الانتخابات في حالة كينيث ديفيد كاوندا. ولا ننسى في هذا المضمار الزعيم الأفريقي الكبير الإمبراطور هيلا سيلاسي، الذي حكم إثيوبيا من 1931 إلى أن أطاح به العسكر في 1974.

وهناك عدد كبير من هذه الزعامات في أفريقيا لا يتسع المجال لحصرهم مثل جومو كنياتا، وهو والد الرئيس الكيني الحالي، وفيليكس هفويه بوانيه في ساحل العاج، ورئيس السنغال ليوبولد سنغور، والزعيم الخالد نيلسون مانديلا الذي أنهى حكم الفصل العنصري لجنوب أفريقيا وحظي باحترام العالم وأصبح رمزاً للتسامح والإنسانية والكفاح من أجل الحرية.

وقد كتبت ذات مرة أن ما يميز «هؤلاء الزعماء الكبار عن نظرائهم من رؤساء أفريقيا الذين أتوا على ظهر دبابة بخصائص تجعلهم فرائد، الأول أنهم قادوا شعبوهم نحو التحرر والاستقلال، ثانياً تمتع الزعماء الكبار بشرعية تاريخية وسياسية وحظوا بشعبية كبيرة بين الجماهير، ثالثاً وبسبب طول مدة حكمهم، طبعت شخصياتهم توجهات بلدانهم بشكل وثيق، وتضافر فكرهم مع الأيدلوجية الوطنية للدولة، ورابعاً رغم وطنيتهم الشديدة، فإنهم تميزوا بمنظور أفريقي واسع وتضامن مع قضايا العالم الثالث.

وأخيراً حينما أدرك الزعماء ضرورة التغيير لم يقفوا عقبة، بل قادوا المرحلة الانتقالية بثبات وسلاسة وبمسؤولية وطنية عالية. وبالتالي جنبوا بلدانهم عواقب وخيمة كحالة الصومال وزئير».

ولكن عودا على بدء، يتميز الفقيد موغابي عن بقية الزعماء الأفارقة بأنه أتى متأخراً عقدين عنهم (ما عدا مانديلا)، فقد قاد موغابي النضال السياسي ضد نظام الأقلية البيضاء بزعامة أيان سميث، فيما كان يعرف بروديسيا. وكانت نسبة السود إلى البيض تصل 22 إلى 2.

وذاق موغابي الأمرين من حكومة الأقلية البيضاء في روديسيا. وبعد خروجه من السجن ذهب إلى موزمبيق وقاد النضال من هناك كقائد لجبهة الاتحاد الأفريقي لزيمبابوي. وقد التقى مع رفيقه في النضال جاشو نكومو الذي كان يقود الاتحاد الأفريقي الشعبي لزيمبابوي.

وبعد حرب عصابات دامت خمسة عشر عاماً، دخل موغابي ورفاقه في مفاوضات مع النظام العنصري فيما عرف بمحادثات لانكستر، وتوصل الأطراف إلى صيغة للاستقلال والاعتراف الدولي. واستقلت روديسيا تحت اسم زيمبابوي، وانتخب موغابي حينها رئيساً للوزراء.

وقد صرح حينها لصحفية أمريكية بأن البلاد تميل إلى حكم الحزب الواحد كما هو واضح من انتخاب الجبهة الوطنية. وأضاف موغابي «أن باقي الأحزاب قد رفضت، وعليه لدينا دولة الحزب الواحد». وقد علقت الصحفية بأن ذلك لم يكن صحيحاً، حيث إن الأحزاب الأخرى فازت بـ 43% من مقاعد البرلمان.

وفعلاً عمد موغابي إلى تعزيز نظام حكمه ضد زملائه وخصومه على حد السواء. وقد اصطدم موغابي مع رفيق السلاح نكومو، ما دعاه إلى الهرب من البلاد. وقد قام موغابي ومجموعته الإثنية بمذابح ضد القاعدة الشعبية من قبائل نكومو.

وفعلاً رضخ الأخير لموغابي وتحول النظام إلى نظام رئاسي ودمجت الجبهتان تحت مسمى جبهة الاتحاد الأفريقي لزيمبابوي-الجبهة الوطنية. ومنح نكومو منصب النائب الثاني للرئيس، والذي لا يعدو كونه منصباً فخرياً.

وبدا نظام موغابي ينحو منحى تسلطياً، وساءت العلاقة مع الأقلية البيضاء التي كانت تحتكر كثيراً من المصالح الاقتصادية، ما حدا بكثير منهم إلى الهجرة إلى جنوب أفريقيا تحت النظام العنصري. وقام موغابي بتغيرات دستورية منحته صلاحيات واسعة كرئيس للدولة والحكومة والقائد الأعلى للجيش.

ومنذ التسعينيات من القرن المنصرم بدأ مؤشرات التنمية في انحدار شديد، وغدت حالة زيمبابوي مزرية بارتفاع البطالة ونسبة التضخم. وكان ينظر إلى البلاد على أنها بلد واعد بسبب مصادره والبنية التحتية التي تمتع بها عند استقلاله في الثمانينيات.

وأخيراً أخذ النظام يترنح تحت وطأة النظام السلطوي والفساد. وأطيح بموغابي بسبب الضغوط التي مورست ضده من قبل الحزب الحاكم في 2017. وبهذا كان خاتمة مناضل من الدرجة الأولى وأحد زعماء أفريقيا الكبار، والذي أفسدته السلطة.. والسلطة المطلقة، كما يقال، مفسدة مطلقة.

 

Email