عن التوطين يتحدثون

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبقى ملف التوطين هو الأكثر إثارة للنقاش والجدل في وسائل الإعلام وعلى وسائط التواصل الاجتماعي بمنصاتها المختلفة، حيث يحظى هذا الملف باهتمام بالغ من قبل الجميع، إلى درجة عرض نماذج غير قابلة للتصديق؛ منها على سبيل المثال لا الحصر ذلك الإعلان الذي انتشر على وسائط التواصل الاجتماعي عن وظيفة مشرف مشتريات مطلوب لها موظفة تحمل شهادة ماجستير في الإدارة ونظم المعلومات، يتراوح عمرها بين 18 و21 عاماً، وتتراوح سنوات الخبرة المطلوبة لها بين 5 أعوام و14 عاماً، بينما يبلغ الحد الأعلى للراتب الذي ستتقاضاه من ستشغلها 5 آلاف درهم، مقابل العمل 6 أيام في الأسبوع!

ربما كان في الأمر نكتة، لكنها نكتة تبعث على الألم أكثر من الضحك، أراد صاحبها، على فرض أنها نكتة، أن يرسم صورة مؤلمة لواقع التوطين في الدولة، بعرض شروط تعجيزية من الصعب تحققها في طالب أي وظيفة، أيّاً كانت جنسيته، إذ كيف يتأتى لإنسان أن يكون حاملاً لشهادة ماجستير، مع خبرة تتراوح بين 5 أعوام و14 عاماً، وهو في الحادية والعشرين من عمره؟ وكيف يمكن لمن يحمل هذا المؤهل، ويتمتع بسنوات الخبرة هذه، أن يقبل بمثل الراتب المعروض في الإعلان؟ لا شك أنها قمة السخرية، تدل على مستوى الاستياء من حال التوطين، بعد ما يقرب من نصف قرن على قيام الدولة.

جدل كبير دار أيضاً على وسائط التواصل الاجتماعي عن تعيين إحدى شركات الاتصالات المحلية مديراً تنفيذياً غير مواطن، سنوات خبرته 25 عاماً في قطاع الاتصالات والإنترنت.

حيث تساءل المغردون عن سبب لجوء الشركة إلى تعيين مدير تنفيذي غير مواطن، رغم أن قائمة الخبرات الإماراتية في هذا القطاع طويلة، وقد طرح بعض المغردين أسماء لمواطنين شغلوا مواقع إدارية مهمة في هذا القطاع منذ تأسيس أول شركة اتصالات في دبي؛ هي (شركة تليفون إمارة دبي المحدودة) التي افتتحت أول مركز لتليفون دبي في شهر يوليو عام 1960.

الأمر الذي يعني أن قطاع الاتصالات قد تأسس لدينا قبل ما يقرب من 60 عاماً، فهل يعقل أن نجلب مديراً تنفيذياً غير مواطن لشركة اتصالات محلية، لا تتعدى خبرته 25 عاماً في سريلانكا والبرازيل والدول الإسكندنافية، ولدينا في هذا القطاع خبرات وطنية، تتجاوز سنوات خبرتها هذا الرقم، ومعترف لها بالكفاءة؟!

هذه الحوارات التي تدور على منصات التواصل الاجتماعي، وقصص أخرى تروى في وسائل الإعلام المختلفة خلقت رأياً عاماً متفقاً على أن هناك خللاً في وضع التوطين الذي نتحدث عنه منذ سنوات، ونعتقد أنه ما زال يراوح في مكانه، رغم مرور ما يقرب من نصف قرن على تأسيس الدولة، بدليل أن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، قد قال أثناء إعلان سموه في شهر أكتوبر من عام 2017 عن تعيين معالي ناصر بن ثاني الهاملي وزيراً للموارد البشرية والتوطين إننا «ما زلنا بطيئين في ملف التوطين».

ولا بد أن نعترف بأننا ما زلنا بطيئين في هذا الملف حتى اليوم، بدليل أن سموه قال في رسالة الموسم الجديد هذا العام: «كثرت الشكوى من ملف التوطين، ونحن نسمعها.. وانخفضت نسبة رضا الناس عن تعامل المسؤولين مع هذه الظاهرة، ونحن نرصدها... ولنا وقفة جادة في هذا الموسم مع هذا الملف ومحاسبة ومتابعة.. وقرارات جديدة بإذن الله».

فالوظائف التي تسعى وزارة الموارد البشرية والتوطين إلى توفيرها للمواطنين كلها في القطاع الخاص، ولا اعتراض لنا على ذلك، لكن أغلبها وظائف بسيطة ذات رواتب متدنية لا تتناسب مع المؤهلات التي يحملها المواطنون الباحثون عن عمل.

وهنا نستذكر الدور الذي كان يقوم به «مجلس الخدمة المدنية» الاتحادي الذي تأسس في بداية قيام الدولة، حيث كان يتقدم إليه المواطنون بعد تخرجهم، ويقوم المجلس بتوزيعهم على الوزارات الاتحادية، حسب تخصصاتهم. ونعتقد أن كل الخريجين المواطنين في مراحل السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات قد تم تعيينهم من خلال هذا المجلس.

رغم ثقتنا الكبيرة بمعالي وزير الموارد البشرية والتوطين ووطنيته وغيرته على مصلحة الوطن، إلا أننا نعتقد أن التوطين ليس مهمة الوزارة وحدها، وإنما هي مهمة جميع المسؤولين في كل المواقع.

وعلينا أن نأخذ المثل والعبرة من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الذي يتكون فريق عمله من مجموعة من المواطنين، نرى الصورة المبهجة لهم عندما يجتمع سموه بهم في جلسات عصف ذهني، يطرحون خلالها أفكاراً استثنائية، مؤكداً ثقة سموه بشبابنا، متطلعاً لضخ أفكار جديدة، وطاقات جديدة، ودماء جديدة في العمل الحكومي، فعن أي قدوة نبحث بعد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، وأي مبرر للمؤسسات الحكومية وشبه الحكومية في استيراد مدراء تنفيذيين وخبراء من الخارج، في الوقت الذي يعتمد فيه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم على الكفاءات الوطنية، ويمنحها الثقة لطرح أفكار مستقبلية جديدة، تشكل واحدة من عناصر التطور الإداري الذي نشهده في أسلوب عمل حكومة دولة الإمارات، والإعجاب الذي تحظى به من قبل حكومات الدول الأخرى.

عن التوطين يتحدثون، وحديث التوطين طويل، لكننا نتمنى أن تكون نهايته قريبة.

 

 

 

Email