هجوم «أرامكو» وثقوب المجتمع الدولي

ت + ت - الحجم الطبيعي

بغض النظر عن المكان الذي انطلقت منه الهجمات على معملي «أرامكو» شرقي المملكة العربية السعودية، فإن الفاعل والمحرك والمخطط واحد وهو إيران.

وبتحليل مضمون الهجمات السابقة منذ مايو الماضي ورد الفعل الدولي على تهديد طهران لمصادر الطاقة نتأكد أن هناك ثقوباً في مواقف وقرارات المجتمع الدولي في التعامل مع السلوك الإيراني المزعزع للاستقرار في المنطقة، فكيف ساهم رد الفعل «الفاتر» على التصرفات الإيرانية في تشجيع طهران على تعطيل ضخ أكثر من 5.7 ملايين برميل نفط من الوصول للأسواق العالمية؟

وما المسارات التي يمكن للقوى العالمية أن تنتهجها لإعادة الاستقرار والهدوء لمنطقة الخليج؟

رسائل خاطئة

منذ 12 مايو الماضي عندما وقعت هجمات على 4 ناقلات في خليج عُمان لم يكن الرد العالمي على السلوك الإيراني حاسماً، بل ساهم هذا التخاذل الدولي في تكرار الهجمات على مضخات نفط أرامكو بعدها بيومين فقط من جانب وكلاء إيران الحوثيين. وفي 13 يونيو استهدفت إيران ناقلتي نفط في بحر عُمان عبر طوربيد أو زوارق سريعة وفق التقييم الأمريكي والبريطاني.

وهما السفينتان «فرونت ألتير» و«كوكوكا كاريدجس»، وشجع السكوت الدولي عن هذه السلوكات الإيرانية على مزيد من المخاطرة باحتجاز الحرس الثوري الإيراني السفينة البريطانية «إستينا إمبيرو» في 19 يوليو الماضي كرد على احتجاز حكومة جبل طارق السفينة الإيرانية «جريس 1»، وحتى الآن لم تفرج إيران عن السفينة البريطانية رغم إفراج سلطات جبل طارق عن السفينة الإيرانية.

كما أن طهران لم تلتزم الضمانات التي قدمتها للحكومة البريطانية وسلطات جبل طارق بأن سفينتها التي تحول اسمها إلى «آدريان داريا» لن تفرغ حمولتها في سوريا.

غموض استراتيجي

لم تفهم إيران الإشارات الإيجابية بأن الولايات المتحدة لا تريد الحرب، وأسقطت الولايات المتحدة من يدها ورقة «الغموض الاستراتيجي» عندما تحدثت علانية أنها لا تريد الحرب، وأنها لن ترد على إسقاط إيران الطائرة الأمريكية. ولهذا ضيقت الولايات المتحدة «مساحات المناورة» السياسية في مواجهة «العدمية الإيرانية» التي لا تكترث للحرب ولا للسلام، ولا لمقدرات شعبها أو معاناته.

وكان الأجدى للولايات المتحدة أن تتعامل «بسيناريو كوريا الشمالية» مع إيران من خلال تصعيد الخطاب السياسي والإعلامي حتى لو كانت لا تنوي توجيه ضربة انتقامية لإسقاط طائرتها المسيرة فوق مياه الخليج، لكن ربما اللافت أكثر أن الولايات المتحدة تركت شركاءها الأوروبيين يتحدثون عن آلية لحماية ناقلات النفط في الخليج بعيداً عن التحالف الذي تبنيه هي بنفسها.

وهنا وصلت لإيران رسالة خاطئة بأن الدول الغربية غير متفقة على رؤية واحدة لحماية الناقلات في الخليج، وهذا الأمر سمح لإيران بأن تمارس «الخداع» من خلال إيحاء طهران للدول التي ترفض الاشتراك في التحالف الدولي بأن مصالحها وسفنها ستكون بعيدة عن الاستهداف الإيراني إذا لم تشارك في التحالف.

إرساء الأوهام

الحقيقة الوحيدة في استهداف ناقلات النفط ومعملي «أرامكو» أن إيران وميليشياتها هي من تقف وراء هذه الهجمات، لأنه لا يوجد طرف يستفيد من هذا الاستهداف إلا إيران وأذرعها في المنطقة، كما أن هذا الاستهداف يتفق مع التصريحات الإيرانية التي قالت إن الدول الأخرى في المنطقة لن تصدر نفطها إذا تم إجبار إيران على «تصفير صادراتها» من النفط، ورغم هذا الوضوح إلا أننا أمام مواقف أوروبية تؤسس «للأوهام» الإيرانية من خلال الادعاء أنها تنتظر «إرساء الحقائق».

المؤكد أن العدوان على أرامكو يؤثر سلباً في الاقتصاد العالمي، وهناك اقتصاديات عملاقة تعتمد على نفط الخليج. استقرار المنطقة لا يحتاج إلى رد سعودي أو خليجي فقط على العدوان الإيراني على أرامكو الذي وصفة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بأنه من «أعمال الحرب» لكن لا بد من «رد جماعي» سواء من داخل مجلس الأمن أو خارجه.

فإذا تعذر التوافق داخل مجلس الأمن نظراً للفيتو الروسي الصيني المتوقع ضد أي قرار أممي فإنه وفق مبدأ حق الدفاع عن النفس يمكن تشكيل تحالف عالمي لضمان عدم تكرار العدوان الإيراني خارج مجلس الأمن، ويكفي فقط في هذه الحالة إبلاغ مجلس الأمن، وهذا يتفق تماماً مع كل القوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة، ويتيح مبدأ الدفاع عن النفس كل أشكال الرد على العدوان وأعمال الحرب.

لم يعد مقبولاً بعد الأدلة المادية التي قدمتها السعودية للعالم حول العدوان الإيراني على أرامكو أن يقف المجتمع الدولي في «المساحات العمياء» التي يمكن أن تنفذ منها الأوهام الإيرانية، فالثقوب في جدار المواقف الدولية قد تقود إلى انهيار المنظومة العالمية، وهذا ليس في صالح الدول العظمى من دون استثناء.

 

 

Email