خريجون دون المستوى المطلوب

ت + ت - الحجم الطبيعي

تواجه الكثير من الشباب مشكلة البحث عن عمل، وللأسف يتفاجؤون بأن سوق العمل لا يريدهم، لا يحتاجهم، فالمعايير والمتطلبات الواردة في أي إعلان وظيفة، تفوق قدراتهم بمراحل، وبعيدة كل البعد عن تخصصاتهم.

فاليوم أصبح أمراً عادياً أن تجد إعلان وظيفة مطلوب مهندس ميكانيك، وأحد الشروط الواجب توافرها في مقدم الطلب، أن يكون المتقدم لديه خلفية طبية، ولا تستغربوا مثل هذا الطرح، ولا تعتبروه ضرباً من الخيال، فمعلن الوظيفة شركة تصنيع معدات طبية، يعمل على مشروع إنتاج روبوت يحاكي الطبيب في بعض العمليات الجراحية الصغرى.

مثل هذا الأمر، سيتكرر كثيراً في قادم السنوات، فالشركات في المستقبل القريب ستبحث عن أصحاب ثنائي التخصص، أو أصحاب الخبرات المتعددة، فقد تجد شركة تطلب محاسباً خبيراً في تقنيات التحليل الإحصائي، وقد تجد شركة تطلب موظفاً محلل تجارب المستخدمين، وشركة تطلب متخصصاً بالرياضيات الرقمية، أو محلل لغة، أو مبرمج وسائل تعليم، أو مبرمج تقنيات الواقع المعزز، أو حتى موظف أمن معلوماتي.

وقد تجد استوديو موسيقى يطلب موظفاً مؤلف موسيقي رقمياً، أو مبرمج موسيقي، وقد تجد أيضاً مكتب محاماة يطلب موظفاً ليقوم بتحليل بيانات الأحكام القانونية حاسوبياً، فكيف للخريجين أن يكونوا ضمن نطاق متطلبات سوق العمل والتخصصات التي يدرسونها، بعيدة كل البعد عن ما هو مطلوب في سوق العمل.

لو ذهبت إلى أي صاحب شركة، وسألته عما إذا كان الخريجون الجدد لهم مكان في شركته، فإن لم تكن إجابته بعدم وجود مكان لهم، ستكون إجابته بأن أماكنهم محدودة جداً، وأنهم يفضلون أصحاب الخبرات، وفي كثير من الأحيان يفضلون من جاؤوا من أكثر من خلفية، فتجدهم يريدون محاسباً ومسؤولاً عن الموارد البشرية، وموظف تكنولوجيا المعلومات متخصصاً في أمن المعلومات وإدارة الشبكات.

وقادراً على البرمجة، وفي المؤسسات الإعلامية، يريدون محرراً قادراً على الكتابة والصياغة الصحافية، وقادراً على التصوير وتحرير الفيديو وتغطية الأخبار، في حين أن الجامعات تخرج لنا أشخاصاً بخبرات محددة فقط، فقد تجد محرراً، لكنه ليس مصوراً، وقد تجد مبرمجاً، ولكنه ليس لديه معرفة بالأمن المعلوماتي، فكيف نسد هذه الفجوة؟، ونحل هذه المشكلة؟.

على الجامعات أن تُغيّر من التخصصات التي تقدمها، بحيث تدمج العديد من التخصصات في تخصصات جديدة، وأيضاً أن تواكب التطورات المستحدثة في سوق العمل، فليس من المعيب أن تجري الجامعات دراسة لمتطلبات سوق العمل، وتبني خططها الدراسية على هذا النحو، وعلى جامعاتنا أن تكون مستوعبة مثل هذه المتغيرات.

وظائف المستقبل معقدة بشكل كبير، ومتداخلة بين الكثير من المجالات، ما اعتبرها المتخصصون في سوق العمل، وأسموها «وظائف هجينة»، أي مستحدثة من شيئين مختلفين، وبما أن الوظائف أصبحت هجينة، إذن، وجب على التخصصات الجامعية أن تكون هجينة، وعلى المنظومة التعليمية أن تُغير من جلدتها سريعاً،.

وإلا سيخرجون لنا خريجون دون المستوى، لن يجدوا فرصتهم في سوق العمل إلا بعد سنوات من الانتظار، أو حتى التحول نحو تخصصات «تمشية حال»، حتى تصبح هي صنعتهم، أو سيعزف شبابنا عن الدراسة في جامعاتنا، ويذهبون لتلك الجامعات «المجنونة»، التي دمجت تخصصات غريبة مع بعضها البعض، لتخرج شباباً فريدين في تخصصاتهم.

من يتابع التطورات التكنولوجية، ومن يقرأ مقالنا السابق «حتى لا تسبقنا الروبوتات»، سيعلم أن الكثير من التخصصات المستقبلية ستتجه نحو الرقمنة، نحو التكنولوجيا، ومن الواجب على جامعاتنا أن تستعد لهذه المرحلة، بأن تجد لنا تخصصات دراسية تجمع بين الطب والتكنولوجيا، تجمع بين الإحصاء والمحاسبة، بين البرمجة والكثير من المجالات، بين الأمن والأمن السيبراني، بين السياسة والتحليل الرقمي، بين الإعلام ومنصات إنتاج الأخبار الرقمية.

فالعالم متجه نحو حقبة جديدة من تحليل البيانات، والقضاء على الأعمال الروتينية المكررة، فما بالكم إن كانت تخصصات جامعاتنا روتينية ومكررة، بالطبع ستقضي عليها التكنولوجيا، وهذا ما نريده، أن تقضي عليها، لكن ألا تقضي على مستقبل شبابنا، ولهذا على جامعاتنا الإسراع في تغيير تخصصاتها وبرامجها، بداية من برامج البكالوريوس، وصولاً لبرامج الدكتوراه، لتواكب ما يُستجد بشكل دوي في سوق العمل.

Ⅶ كاتب وإعلامي

 

Email